التحذير من منشور أحاديث الضيافة
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد : فقد
سئلت عن منشور في مواقع التواصل تضمن أربعة أحاديث نبوية متعلقة بإكرام الضيف هل
صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهل ننشرها في مواقع التواصل ؟
ولفظ المنشور
: البيت الذي يكثر فيه الضيوف ... بيت يحبه الله ... ما أجمل البيت المفتوح
للصغير والكبير. بيت تتنزل فيه رحمات وبركات السماء ..
1-
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :"إذا أراد الله بقوم خيرًا أهدى لهم هدية". قالوا :
وما تلك الهدية؟ قال :"الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت".
2-
وقال صلى الله
عليه وسلم :"كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله الملائكة".
3-
وقال صلى الله
عليه وسلم :"الضيف دليل الجنة".
4-
وقل صلى الله
عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم فليكرم ضيفه".
إذا أعجبك المنشور
... صل على سيدنا محمد وآله".
فأجبت :
أولًا : من حيث ثبوت هذه الأحاديث :
فهذه الأحاديث
كلها لا تثبت إلا قوله صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليكرم ضيفه".
فهذا جواب
مجمل وإليك التفصيل.
الحديث الأول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :"إذا أراد الله بقوم خيرًا أهدى لهم هدية". قالوا :
وما تلك الهدية؟ قال :"الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت".
هو حديث ضعيف؛
ضعفه([1]) العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله
تعالى-.
الحديث الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخله
الملائكة".
فلم أقف عليه
في شيء من كتب الحديث، ووقفت عليه في بعض مراجع الروافض.
ووقفت عليه
موقوفًا على أنس رضي الله عنه بلا إسناد، فقد ذكره أبو حيان التوحيدي في الإمتاع
والمؤانسة([2])، والغزالي في إحياء علوم الدين([3]).
الحديث الثالث : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :"الضيف دليل الجنة".
فلم أقف عليه
في شيء من كتب الحديث، وذكره الثعالبي في كتابه التمثيل والمحاضرة (ص: 429)، ولم
يذكر أنه حديث أو أثر، ولم يذكر إسناده.
الحديث الرابع
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم
ضيفه".
هو حديث متفق
عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ"([4]).
ثانيًا: من
حيث نشر هذا المنشور :
فلا يجوز نشره
لتضمنه ثلاثة أحاديث غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل : هذه
الأحاديث التي لا تصح معناها حسن وطيب فلماذا لا تنشر ؟
فالجواب : حُسْنُ
المعنى، وكون الكلام جميلًا لا يعني صحة نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم،
قال الحافظ المزي :"ليس لأحدٍ أن ينسب حرفًا يستحسنه مِن الكلام إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم، وإنْ كان ذلك الكلام في نفسه حقًا، فإنّ كلَّ ما قاله الرسولُ
فهو حقّ، وليس كل ما هو حقّ قاله الرسول. فليُتأمّل هذا الموضع فإنّه مزلَّة أقدام
ومضلَّة أفهام، وقد نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله في الحديث
الصحيح([5])
:"إنّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد، فمن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوّأ
مقعده من النار"([6]).
فإن قيل : هل
يعمل بها في فضائل الأعمال ؟
فالجواب : هذه
الأحاديث لا تجوز نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا نشرها !!!
وإليك الدليل :
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :"مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ،
فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ"([7]).
وقال رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم :"كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ"([8]).
وقال
عَبْداللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ
تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ
فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ
يَقُولُ :"مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ"([9]).
وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :"إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَدِيثِ عَنِّي، فَمَنْ
قَالَ عَلَيَّ، فَلْيَقُلْ حَقًّا أَوْ صِدْقًا، وَمَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا
لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"([10]).
وقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ :"كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا فَفَرَغَ مِنْهُ، قَالَ :"أَوْ
كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم"([11]).
وقال عَبْدُالرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي لَيْلَى: قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنه :"كَبِرْنَا
وَنَسِينَا، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَدِيدٌ"([12]).
فدلت هذه
الأحاديث النبوية والآثار السلفية على الأمور التالية :
- خطورة نقل ونشر الأحاديث دون تأكد من ثبوتها عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
-
أن الكذب يطلق
على تعمد الكذب، ويطلق على الخطأ؛ فالزبير رضي الله عنه خاف من الخطأ في الرواية،
واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم :"من كذب علي ...".
-
عدم الإكثار
من نشر الأحاديث إلا بعد التأكد من صحتها حتى لا يقع في الخطأ.
-
حرص الصحابة
رضي الله عنهم على نقل الأحاديث كما سمعوها، وخوفهم من الخطأ في الحديث مع حفظهم
وورعهم وتقواهم رضي الله عنهم.
- أن
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد؛ لأنه وحي كما قال تعالى âوَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى á،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد، فمن
كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوّأ مقعده من النار".
فدلت الأدلة
أنه يجب على كل مسلم ومسلمة عمومًا، وخصوصًا أهل العلم أن لا يذكروا حديثًا إلا
بعد أن يتثبتوا من صحته.
ثالثًا : قوله
في آخر المنشور : إذا أعجبك المنشور ... صل على سيدنا محمد وآله وصحبه".
فيه تنبيهان :
التنبيه الأول
:
تخصيص الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عند الإعجاب بالشيء لا دليل عليه، فلا
ينبغي أن يُتخذ سنة.
نعم الصلاة
على الرسول صلى الله عليه وسلم تشرع بعد الأذان، ويوم الجمعة، ومع الدعاء، وتشرع
الصلاة دائمًا، قال أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي
أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ صلى
الله عليه وسلم :"مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ :"مَا
شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ :"مَا
شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ،
قَالَ :"مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ:
أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ :"إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ
لَكَ ذَنْبُكَ"([13]).
التنبيه
الثاني : لا تشرع زيادة "سيدنا" في التشهد، وفي
الصلوات الإبراهيمية لأنها من باب الأذكار التي يلتزم بلفظها، قال محمد ناصر الدين
الألباني :"الذي نعتقده ونَدين الله تعالى به أن نبينا محمدًا صلى الله عليه
وسلم هو سيدنا؛ بل هو سيد كل آدمي شاء أم أبى.
والذي ينبغي
البحث فيه هو النظر في جواز زيادة هذه اللفظة فيما شرعه صلى الله عليه وسلم من صيغ
التشهد، والصلوات الإبراهيمية؛ التي أمر بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على كيفيات مختلفة، وليس في شيء منها هذه اللفظة؛ ولذلك فإنا نقطع بأن
الحق مع المانعين من ذلك؛ لأننا نعتقد أن زيادة هذه اللفظة لو كانت مما يقربنا إلى
الله زلفى؛ لأمرنا بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما أغفل
أمرها؛ فعدم أمره صلى الله عليه وسلم لنا بتسويده في الصلاة يدل على أنه لا يجوز التقرب
إلى الله تعالى بذلك، ومن فعل ذلك؛ فقد استدرك عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ونسبه إلى القصور"([14]).
وقال أيضًا
:"ذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبخاصة في الصلاة
في التشهد فهذا لا يشرع ويكره كراهة تحريمية؛ لأن الأوراد مبنية على التوقيف يعني
كما علمنا ندعو ونصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نزيد فيها لفظًا ولو
كان هذا اللفظ لائقًا به عليه الصلاة والسلام فلا نقول في الصلاة عليه اللهم صل
على سيدنا محمد"([15]).
وقال محمد
العثيمين :"قول بعض الناس :"اللهم صل على سيدنا محمد" قول مخالف
لما جاءت به السنة، فلا تقل: "اللهم صل على سيدنا محمد".
هو سيد لك
قلته أم لم تقله، لكن إذا كنت تعتقد أنه سيد حقيقةً فالتزم قوله، لأن السيد هو
المتبوع، فإذا كنت تقول: "سيد" لا تخرج عن قوله، ولا تخرج عن توجيهه
وإرشاده وتعليمه، وهو لم يقل لأمته: "قولوا: اللهم صل على سيدنا" قال:
"قولوا: اللهم صل على محمد"، وأنت إذا كنت تعتقد أنه سيدك حقيقة، فإن
السيد لابد أن يكون مطاعًا"([16]).
كتبه
أحمد
بن عمر بن سالم بازمول
الاثنين
28 / ذو الحجة /1444هجري
تنبيه : كتاب
الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، يروج على أنه كتاب أدبي وممتع، لكن في
حقيقة أمره هو كتاب فيه أمور سيئة وغموض وفلسفة، وأبو حيان التوحيدي معتزلي صوفي
فلسفي فأي خير في كتبه. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (17/119).
تنبيه : كتاب
إحياء علوم الدين مليء بالأحاديث الضعيفة والمكذوبة بل وما لا سند له أصلًا، وفيه
كثير من الأمور التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تشرع.
([5])
أخرجه البخاري في الصحيح (2/80رقم1291)،
ومسلم في الصحيح (1/10رقم4)
من حديث المغيرة رضي
الله عنه.
([10]) أخرجه الإمام أحمد في المسند(37/225رقم22538)،وابن ماجه في السنن(1/14رقم35)
من حديث أبي قتادة رضي الله عنه. وحسنه الألباني.
([11]) أخرجه الإمام أحمد في المسند (20/385رقم13124)، وابن ماجه في
السنن (1/11رقم24).
وصححه الألباني.
حمل الملف | |
File Size: | 440 kb |
File Type: |