التحبير
بجمع القواعد و الضوابط والفوائد التي اشتملت عليها رسالة الفرق بين النصيحة والتعيير
للحافظ ابن رجب السلفي النحرير
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ .
إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما بعد :
فهذه مجموعة من القواعد والضوابط والفوائد المستخرجة والمستنبطة من رسالة الفرق بين النصيحة والتعيير للحافظ ابن رجب الحنبلي ت795هـ كتبتها لنفسي ولإخواني طلاب العلم بعد أن منَّ الله عليَّ بتدريس هذه الرسالة في مسجد السبيل بكدي في سبعة مجالس علمية من شهر شعبان عام 1436هــ .
وإليك هذه الدرر المستخرجة من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
1- النصيحة والتعيير بينهما فرق ومن سوىَّ بينهما فهو جاهل أو ظالم.
2- تشترك النصيحة والتعيير في الصورة (ذكر الإنسان بما يكره).
3- وتفترق النصيحة عن التعيير في المقصود (فالنصيحة لتحقيق مصلحة عامة أو خاصة) والتعيير (للتنقص والعيب والطعن).
4- ذكر الإنسان بما يكره لمجرد الذم والعيب والنقص حرام .
5- ذكر الإنسان بما يكره لتحقيق مصلحة عامة أو خاصة مشروع بل يجب.
6- قرر علماء الجرح والتعديل أن هناك فرقاً بين جرح الرواة وبين الغيبة.
7- أن أهل التعبد والزهد قد ينكرون جرح المجروح ولا عبرة بهم .
8- قرر علماء السنة أنه لا فرق بين الطعن في الرواة المجروحين، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه.
9- أجمع العلماء على جواز ذلك البيان بالجرح والرد على الخطأ.
10- جرت عادة العلماء في مصنفاتهم بجرح المجروح ورد الخطأ مما يفيد مشروعيته؛ إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة.
11- أن الخطأ يرد على قائله كائناً من كان من الصحابة فمن بعدهم إن كان بالحجة والبرهان.
12- لا يلزم من رد الخطأ الطعن أو الذم أو التنقص من المردود عليه .
13- من أساء الأدب في الرد بالسب والشتم والنقص فيقبل قوله في رد الباطل وينكر عليه فحاشته وإساءته .
14- الطريقة السلفية في الرد على المخالف بإقامة الحجج الشرعية والأدلة المعتبرة.
15- الحكمة من الرد على الخطأ :
أ- إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ولأنْ يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا.
ب- أن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين .
وهذان الأمران متفق عليهما بين العلماء السلفيين .
16- أئمة السلف يقبلون الحق ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم.
17- أئمة السلف يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً .
18- من الأدب أن لا يصر العالم على رأيه المجرد عن الدليل بل يبحث عن الأقرب للحق .
19- السلفي يعظم الحق ولا يعظم أقواله وآرائه.
20- السلفي يحب ظهور الحق سواء على لسانه أو لسان غيره.
21- السلفي لا يكره أن يرد قوله أو يبين له مخالفته للسنة سواء كان في حياته أو بعد مماته.
22- أئمة الإسلام يذبون عن الدين ولا يرضون بمخالفة الحق .
23- السلفي لا يكره مخالفة من خالفه بدليل عَرَضَ له ولو لم يكن ذلك الدليل قوياً عنده بحيث يتمسك به ويترك دليله له.
24- مما يعين على ظهور الحق أن تفرح إذا أصاب خصمك وتحزن إذا أخطأ، ولا تقول له ما يسوؤه وهذا من كمال عقل صاحبه.
25- رد المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية أمر يحبه العلماء ويمدحون فاعله ويثنون عليه؛ وهو من النصيحة.
26- من كره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك.
27- الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته.
28- كراهة إظهار الحق ليس من الخصال المحمودة بل من الخصال الذميمة.
29- بيان خطأ من أخطأ من العلماء السابقين لا حرج فيه ولا لوم على الراد بشرط أن يكون بأدب في الخطاب وحسن في الرد والجواب .
30- إذا صدر من الراد بحق ما يدل على الاغترار بمقالته فلا حرج عليه.
31- قد يبالغ العالم في إنكار بعض المقالات إما لضعفها أو تفردها.
32- الحكم في هذا الباب (النصيحة) للظاهر ، وأما باطنه :
أ- فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ فهو مثاب ناصح ممدوح .
ب- وإن كان مقصوده بذلك إظهارَ عيب من ردَّ عليه وتنقصَه وتبيينَ جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان محرماً مطلقاً.
مع وجوب قبول الحق ورد الباطل.
33- يشرع لمن علم الباطل أن يبينه ويرده صغيراً كان أو كبيراً .
34- العالم الكبير قد يخطئ في بعض المسائل التي عليها دليل صحيح صريح فلا يعاب ولا ينتقص بل يرد خطؤه وتحفظ كرامته.
35- لا ينبغي السكوت عن خطأ العالم لمكانته وتعظيمه في النفوس بل يجب رد الباطل ونصرة الحق.
36- من رد الباطل بقصد التنقص والعيب فهو داخل في الهمز واللمز.
37- فرق بين العلماء المقتدى بهم في الدين وبين أهل البدع والضلالة ومن تشبه بالعلماء وليس منهم .
38- العلماء السلفيون يعاملون بما سبق ،وأما أهل البدع والضلالة فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم.
39- يجب إكرام واحترام وتعظيم من عُرف منه أنه أراد بردِّه على العلماء النصيحة لله ورسوله .
40- يستحق العقوبة من عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.
41- يمكن معرفة مقصود الراد بأحد أمرين :
أ- إقراره واعترافه بمقصوده .
ب- بالقرائن المحيطة برده فعلًا أو قولًا .
42- من علامات الناصح الصادق أنه لا يَذكر الردَّ وتبيين الخطأ إلا على الوجه الذي يراه غيره من أئمة العلماء.
43- في التصانيف وفي البحث وجب حمل كلامه على النصح وإرادة الحق .
44- من حمل كلام الناصح على التنقص والعيب والذم مع ظهور حاله في النصيحة وإرادة الحق فهو ممن يَظن بالبريء الظن السوء
45- الظن السوء ممن لا تظهر منه أمارات السوء مما حرمه الله ورسوله .
46- من أمارات ظن السوء : كثرة البغي والعدوان وقلة الورع وإطلاق اللسان وكثرة الغيبة والبهتان والحسد وشدة الحرص على الرئاسات.
47- من ظهرت منه أمارات السوء يحمل رده على العلماء على إرادة التنقص والعيب والطعن لا النصح، ويستحق مقابلته بالهوان.
48- ومن لم تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء فإنه يجب أن يحمل كلامه على أحسن مُحْمَلاتِهِ ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته.
49- إن قال لأخيه في وجهه ما يكره على وجه النصح فهو حسن .
50- يحق لمن أخبر بعيب من عيوبه أن يعتذر منها إن كان له منها عذر .
51- إن قال لأخيه في وجهه ما يكره على وجه التوبيخ بالذنب فهو قبيح مذموم.
52- التوبيخ والتعيير بالذنب مذموم .
53- الذنب الذي تاب منه صاحبه فالمؤمن يستره وينصحه والفاجر يهتكه ويُعيِّره.
54- من علامات النصح اقترانه بالستر .
55- ومن علامات التعيير اقترانه بالإعلان.
56- السلفي يسر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
57- يكره أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه التوبيخ والتعيير .
58- الناصح غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها المنصوح .
59- والفاضح غرضه إشاعة عيوب من ينصح له .
60- إشاعة وإظهار العيوب هو مما حرمه الله ورسوله .
61- إشاعة الفاحشة وهن وضعف.
62- من خصال الفاجر : إشاعة الفاحشة والتعيير بالذنب .
63- الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب.
64- غرض الفاجر مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه .
65- من صفات الفاجر لتحقيق غرضه أنه : يعيد الذم والتعيير والتوبيخ ويبديه ليُدخل على أخيه المؤمن الضرر في الدنيا.
66- من صفات الناصح أن غرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن واجتنابه له.
67- الحامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه القسوة والغلظة ومحبته إيذاء أخيه المؤمن وإدخال الضرر عليه وهذه صفة الشيطان .
68- شتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.
69- عقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكَشَفَ عورته بغير وجه شرعي أن يتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته .
70- ومن أظهر التعيير في قالب النصح وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى فهو من إخوان المنافقين .
71- من خصال اليهود والمنافقين أن يظهروا الحسن ومقصودهم السوء ليحمدوا على ظاهرهم ويتوصلوا إلى غرض فاسد فتتم له الفائدة وتُنَفَّذُ له الحيلة بهذا الخداع، وهذا فعل متوعد فاعله بالعذاب الأليم.
72- من أراد ذم إنسان وتنقصه لينفر الناس عنه لسبب فاسد فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني .
73- يجمع هذا المـُظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرَّمين:
أ- أحدهما: أن يحمل ردَّ العالم القول الآخر على البغض والطعن والهوى وقد يكون إنما أراد به النصح للمؤمنين وإظهار ما لا يجوز له كتمانه من العلم.
ب- والثاني: أن يظهر الطعن عليه ليتوصل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في قالب النصح والذب عن علماء الشرع .
74- ومن بُلي بشيء من هذا المكر فليتق الله ويستعن به ويصبر فإن العاقبة للتقوى.
75- يعود وبال المكر على صاحبه بدليل الشرع ، والواقع يشهد بذلك.
كتبه أخوكم المحب :أحمد بن عمر سالم بازمول
مغرب يوم الثلاثاء 8 شعبان 1436