الجوابُ الصَّحيح في وُجوبِ الحجِّ بالتصريح وتَحريمِه بلا تَصريح
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
الجواب الصحيح
في
وجوب الحج
بالتصريح
وتحريمه بلا
تصريح
إعداد
أد. أحمد بن
عمر بازمول
قسم الكتاب
والسنة – جامعة أم القرى
مكة المكرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله r.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ([1]).
﴿يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا﴾([2]).
﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾([3]).
إن أصدقَ الكلام كلام الله،
وخيرَ الهدى هدى محمد r،
وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار
.
أما
بعد: فوليُّ
الأمر رجل بذلَ نفسه ووقته لرعاية مصالح أمتِّه، وتوفير سبل الراحـة لهم ودفع المخاطر
والسوء عنهم بإذن الله تعالى؛ فالواجب علينا السمع والطاعة في غير معصية الله.
ونظرًا لمصلحة الحجِّ والحجاج
أصدرَ وليُّ أمرنا في المملكة العربية السعودية تصريحًا لمن أرادَ الحجَّ بحيث يحج
كل خمس سنوات مرة؛ تنظيمًا للحج، وحفاظًا على مصالح الحجاج، وتيسيرًا لأداء شعيرة
الحج بلا ضرر ولا إضرار.
وقد
أدركَ كلُّ العقلاء فوائد هذا التصريح، وشَكروا ولاةَ أمرنا على هذا القرار
الموافق للشرع، والمحقق لأداء العبادة على أكمل وأفضل وأسلم وجه بحمد الله تعالى.
ومع وضوح أهمية بل وضرورة تصريح
الحج – لِـمَا فيه من مصالح ودفع مضار تصلُ إلى موت الحجاج بسبب الازدحام أو غيره–
إلا أننا نَسمع بعضَ الأصوات التي تُنادي بعدم أهمية أو تُجيز الحجَّ بلا تصريح،
أو تهوّن من أمره فضلًا عن قول بعض المغرضين بأنه مُحدث لا دليل عليه.
ومن هنا أحبَبتُ أن أكتبَ هذه
الرسالة لبيان وجوب الحصول على تصريح الحج، وتحريم الحج بلا تصريح، وأجيبُ على شبهٍ
أثيرت حولَ تصريح الحج وبيان عدم صحتها.
وسميتها
بــــــــــــ: (الجواب الصحيح في
وجوب الحج بالتصريح وتحريمه بلا تصريح).
وكنتُ قد كتبتُ هذه الرسالة على
صورة مقالات في بعض مواقع التواصل، فرغبَ إليَّ بعضُ إخواني في جمعها ونشرها في
رسالة واحدة؛ فوافقَ طلبُهم رغبةً عندي، فجمعتُها وراجعتُها وزودتُ فيها زيادات
متفرقة ليست بالكثيرة .
والله اسأل القَبول والتوفيق ،
وأن يجعلَ عملي خالصًا لوجهه الكريم، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله
بقلب سليم.
وجوب الحصول
على تصريح الحج
من المعلوم أن الحج يجب مرةً واحدة في العمر فمَا زاد فهو تطوع، ومن شروط وجوبه
على من لم يحجالقدرة على أدائه قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾([4]).
فمن لم يَستطع الحج حتى ماتَ
فهو مَعذور شرعًا ولا إثم عليه إن شاء الله.
ومع كثرة الناس وحصول الضرر
والضيقِ والمشقة بِسبب تزاحم الحجاج فقد اتخذَت المملكةُ العربية السعودية نظامَ
تصريح الحج حمايةً للحجاج من الضرر والتلَف، وبهذا أفتَت هيئةُ كبار العلماء حيث
قالت في بيانها عن الحج :"لا يجوزُ الذهابُ إلى الحج دون أخذِ تصريح،
ويأثمُ فاعله؛ لما فيهِ من مخالفةِ أمرِ وليِّ الأمرِ الذي ما صدرَ إلا تحقيقاً
للمصَلحةِ العامة، ولا سيما دَفْعَ الإضرارِ بعمومِ الحُجاج، وإن كان الحجُّ حجَّ
فريضةٍ ولم يتمكنِ المكلفُ مِنِ استخراجِ تصريحِ الحج فإنّهُ في حُكمِ عَدمِ
المستطيع، قال اللهُ تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾([5])،
وقال سبحانه؛ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾"([6]).
فتأملوا بيانهم بأنَّ من ماتَ
ولم يحج لعدم حصولِه على تصريح الحج أنه مَعذور شرعًا؛ لأنه غير مًستطيع للحج.
وبهذا يتقررُ أن تصريحَ الحج
داخلٌ في الاستِطاعة؛ فَمَن لم يَحصل على التصريح فهو غير مستطيع.
وأن من حجَّ بلا تصريح فهو آثم؟!،
لماذا؟.
لأنه خالفَ أمرَ وليِّ الأمر في
الحصول على تصريح الحج وقد أمرنَا بطاعتِه في غير معصية الله، ونُهينا عن معصيتِه.
ولأنه بحجِّه بلا تَصريح يُؤدِّي إلى حصولِ الضَّرر بالحجاج وتَعطيل المصلحة
العامة.
وأذيّةُ
المسلمين والضرر بهم محرمة، قال r:
"من ضَارَّ أضَرَّ الله به، ومن شَاقَّ شَاقَّ الله عليه"([7]).
وقال r:
"لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"([8]).
ومن لم يحج ليَفسح لإخوانِه الحجَّ
فإنه أفضل ممن يحج بلا تصريح ويُضايق الناسَ ويُؤذيهم،
فليتق الله كلُّ واحد منَّا في نفسِه
ولا يحج إلا بتصريح رسمي .
% % %
شبهة من يحج
بلا تصريح
الحقُّ ظاهرٌ أبلج، والباطل خفي
لجلج، وقد تكون عند من خَالفَ الحقَّ شبهٌ وتخيّلات يَظنُّها حقًا، فبمعرفة الجواب
عنها بالحجة والبرهان تَزول الشبهةُ ويرجعُ مَنْ أرادَ الحقَّ للحقِّ إلا من في
قلبِه كبرٌ وعناد فهذا لا حِيلة لنا معه إلا بالدعاء له بالهداية أو أن يَكفَّ
الله شرَّه عن الإسلام والمسلمين.
فمن أبرز الشبه
التي تثار حول وجوب تصريح الحج:
- الشبهة
الأولى: أن
هناك من يُفتي بجواز الحج بلا تصريح.
- الشبهة الثانية: أن
الحجَّ أجره عظيم وأنا أرغب في ثواب الحج المبرور.
- الشبهة الثالثة: أن
الحجَّ بلا تصريح لا يَحصل به الضررَّ فأنا واحدٌ فقط فمَا الذي يضر الحجاج.
- الشبهة الرابعة: أكره
أن أجلسَ في البيت ولا أذهب للحج.
- الشبهة
الخامسة: أن
تصريحَ الحج لا دليلَ عليه فبِالتالي لا تَلزم طاعة ولي الأمر فيه.
- الشبهة السادسة: أن
الضرر المحرم أن يكونَ المقصود منه الاضِرار بالغير، وأنا لا أريد الاضرار بغيري
بل أريد الأجر والثواب.
- الشبهة السابعة: أن
الحجَّ بلا تصريح محرمٌ ويأثمُ فاعلُه لكن سيُغفر للحاج يوم عرفة، وعليه فلا مشكلة
من الحج بلا تصريح.
- الشبهة الثامنة: أن
الحجَّ عبادة مشروعة فكيفَ تمنعُ المملكةُ العربية السعودية المسلمين من أدائها.
وسأجيبُ على هذه الشبه بإذن الله تعالى بأجوبة جَامعة
واضحة ولا أطيل؛ لأن الغرضَ إظهار الحقِّ ونصرته، وإزالة الشبهة وردها.
الشبهة الأولى
# أن هناك من يُفتي بجواز الحج بلا تصريح!.
• فالجواب
من وجوه:
- الوجه
الأول: أنه
قد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دينَ إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامـة
ولا إمامة إلا بسمع وطاعة وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر محرم شرعًا وسبب
للفوضى والفساد في الأرض وعدم انتظام الحياة.
- الوجه
الثاني: أن
الحجَّ وما يتعلق به من الأمور المتعلقة بولي الأمر هو الذي يُراعي فيها مصالح
الناس.
فالتدخل في صلاحيّات وليِّ
الأمر ومخالفة أوامرِه من الافتِيات عليه، والافتياتُ من أعظم أسباب الفَساد في
البلاد والعباد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد([9]).
وهذا التدخل يُعتبر خروجًا عن
طاعته، وافتِئاتًا عليه، واعتداءً على صلاحيتِه، ويترتب على ذلك الفوضى وضياع
المسئولية.
- الوجه
الثالث: أن
وليِّ الأمر قد أسندَ الفتوى لأهل العلم وقد أفتوا بتحريم الحج بلا تصريح.
قال صلى الله عليه وسلم
:"لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال"([10]).
والأمير هو الحاكم، والمأمور هو
من يقيمه الحاكم، والمختال هو الذي نصب نفسَه من غير أن يؤمر له ويُؤذَن له.
والمعني أنه لا يعظ الناسَ ولا
يُفتِيهم إلا الحاكم أو مَن أذِنَ له الحاكمُ.
وأما
المختال فهو مُتكلف ما لم يُكلّفه الشارعُ حيث لم يُؤمر بذلك؛ لأن الحاكمَ نصب
للمصالح فمن رآه لائقًا نصبه للوعظ أو غير لائق فلا.
وفي الحديث الزجر عن الوعظ بغير
إِذن الحاكم؛ لأنه أعرفُ بمصالح الرعية، فَمَن رأى فيه حسن العقيدة وصدق الحال يَأذن
له أن يعظَ الناسَ وإلا فلا"([11]).
فليسَ لآحاد الرعية مخالفته
فيها ولو كان على علمٍ فإنه محرم؛ لأنه من الافتِيات والجرأة على وليِّ الأمر ومن
صور منازعتِه([12]).
وقد نصَّ ابنُ سحمان رحمه
الله على
أن مِنَ الافتِيات والتعدي على مَنصب ولي الأمر: الذهاب إلى البادية وغيرها ممن
تحت يدِه وفي ولايتِه من غير إذنٍ منه ولا أمر لهم بذلك، وقد كان من المعلوم أن
الإمام هو الذي يَبعث العُمّالَ والدعاةَ إلى دين الله([13]).
% % %
الشبهة
الثانية
# أن الحج أجره عظيم وأنا أرغب في ثواب الحج المبرور!.
• فالجواب من وجوه:
- الوجه
الأول: أن
الحجَّ المبرور هو الخالي من فِعل محرم والحج بِلا تَصريح فيه مخالفة أمر ولي
الأمر، وفيه تضييق وأذى للحجاج. قال صلى الله عليه وسلم :"الحجُّ المبرورُ
ليس له جزاءٌ إلا الجنة"([14]).
والحج المبرور: هو
الذي لا يَقع فيه معصية.
• قال العلامة ابن باز رحمه
الله:
"إذا كانَ حين حجّ يأتي بعض المعاصي فحَجّه ناقصٌ، ولكنه يُبرئ ذمتَه من
الفريضة، لكن يَكون حجّه ناقصًا، لا يكون مبرورًا، يكون ناقصًا"([15]).
- الوجه
الثاني: أن
الحج إذا كان فريضة؛ فأنتَ مَعذور لعدم حُصولك على تَصريح الحج، والواجب عليكَ
الصبر حتى تحصل على تصريح الحج، ولا تُعرّض نفسكَ وغيركَ للخطر والمشاق.
- الوجه
الثالث: وإذا
كان الحج من باب التطوع فهو مُستحب، وطاعة ولي الأمر واجبة؛ فكيف تُقدّم أمرًا
مستحبًا على أمر واجب؟!.
% % %
الشبهة الثالثة
#
أن الحج بلا تصريح لا يحصل به الضرر فأنا واحد فقط فما الذي يضر
الحجاج!.
• فالجواب من وجوه:
- الوجه
الأول: أن
الواجبَ على من أرادَ الحجَّ طاعة وليِّ الأمر في الحصول على تصريح للحج، ومنع
الحج بلا تصريح.
- الوجه
الثاني: أن
عددًا لا يُحصى قد يَصل إلى مئات الآلاف مِمَّن يَحج بلا تصريح يَقول نفسَ القول!.
- الوجه
الثالث: أن
نَفيَ الضرر هو مجرّد دعوَى وظنّ منكَ، وكلُّ عاقل يَعلم أن السماحَ بالحجِّ لكل
من أرادَ الحجَّ يحصل منه ازدِحام واختِناق وضيق ومشقة.
% % %
#
أكره أن أجلس في البيت ولا أذهب للحج!.
• فالجواب:
أن تعلمَ أنكَّ يا عبد الله
مأمورٌ بطاعة وليِّ الأمر في المنشط والمكره.
• قال عبادة رضي
الله عنه :
"بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ
أَهْلَهُ"([16]).
• قال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله تعالى: "هذا دليلٌ على احتِرام حقِّ
ولاة الأمور، وأنه يجب على الناس طاعتهم في اليسر والعسر، والمنشط والمكره"([17]).
• وقال أيضًا
:"السمعُ والطاعة لولاة الأمورِ في المنشط والمكره في المنشط: يعني في الأمر
الذي إذا أمركَ به نشطت عليه، لأنه يُوافق هواكَ، وفي المكره: في الأمر الذي أمروكَ
به لم تَكن نشيطاً فيه؟؛ لأنكَ تكرهه، اسمع في هذا وهذا، وفي العُسر واليسر، حتى
إن كنتَ غنياً فأمروكَ فاسمع ولا تَستَكبر لأنك غني، وإذا كنتَ فقيراً فاسمع ولا
تقل لا أسمع وهم أغنياء وأنا فقير. اسمع وأطع في أي حال من الأحوال"([18]).
% % %
الشبهة الخامسة
# أن تصريحَ الحج لا دليلَ عليه فبِالتالي لا تَلزم طاعة ولي الأمر
فيه!.
• فالجواب من وجوه:
- الوجه
الأول: أن
هذا قول باطل، وقولُ مَن لَم يَفقَه دينَ الله، فطاعة وليِّ الأمر منصوصٌ عليها في
قوله تعالى ]يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ[([19]).
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: "طاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم"([20]).
- الوجه
الثاني: أنه
تجب طاعة وليِّ الأمر فِيمَا يأمر به في غيرِ معصية الله.
• قال العلامة المباركفوري رحمه
الله:
"الإمام إذا أمرَ بمندوبٍ أو مباح: وجب"([21]).
• وقال العلامة ابن باز رحمه
الله فيمن
يقول بأنه لا سمعَ ولا طاعة لوليِّ الأمر في الأنظِمة العامة، وأنه يجوز عدم
التقيد بها: "هذا باطلٌ ومنكر بل يَجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليسَ
فيها منكر بل نظمهَا وليُّ الأمر لمصالح المسلمين يجبُ الخضوع لذلك والسمع والطاعة
في ذلك؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين"([22]).
• وقال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله في طاعة ولاة
الأمور فيما ليسَ بمعصية: "أن يأمروا بأمر ليسَ عليه أمر الله ورسوله r
ولا نهي الله ورسوله r:
فالواجب السمع والطاعة؛ لأن الله أمرنا بطاعته وأمرنا بذلك رسوله عليه الصلاة
والسلام"([23]).
• وقال الشيخ صالح اللحيدان رحمه
الله :
"إذا أمرَ وليُّ الأمر بأمر من الأمور المباحَة صارَ بأمرِ وليِّ الأمر
واجباً شرعياً فوجبَ أن يُسمع له ويطاع. وإذا نهى عن أمر مباحٍ نهياً عازماً صار
ذلك المباح على هذا المنهي محرماً شرعاً"([24]).
- الوجه
الثالث: أن
طاعةَ وليِّ الأمر فيها تَنظيمُ حياةِ الناس ومَصالحهم.
• قال
الحافظ ابن رجب رحمه الله: "السمع
والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا وبها تَنتظم مَصالح العباد في مَعايشهم
وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم"([25]).
% % %
الشبهة
السادسة
#
أن الضررَ المحرم أن يكونَ المَقصود منه
الاضرار بالغير، وأنا لا أريدُ الاضرارَ بغيرِي بل أريد الأجر والثواب!.
• فالجواب من وجهين:
- الوجه
الأول: أن
ولي الأمر أمرَ بذلك وطاعة وليِّ الأمر واجبة كما أمرنا الله، ومخالفة أمر ولي
الأمر حرام.
• قال الشيخ صالح الفوزان رحمه
الله:
"حكم مخالفة ومعصية ولاة أمور المسلمين فيما ليسَ بمحرم ولا معصية: أن ذلك
محرم شديد التحريم؛ لأنه معصية لله ولرسوله r
قال تعالى ]أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[([26])،
وقال النبي r:
" من يُطع الأميرَ فقد أطاعنِي ومن عَصى الأميرَ فقد عصَانِي"([27]).
ولِمَا يترتّب على معصية ولاة الأمور من شقِّ العصَا وتفريق الكلمة واختِلاف الأمة
وحدوث الفتن واختِلال الأمن، ومبايعة وليِّ الأمر تَقتضي طاعته بالمعروف، ونزع
اليد من طاعته يعتبر خيانة للعهد، قال تعالى ]وَ
أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ[
والغدر بالعَهد من صفات المنافقين"([28]).
- الوجه الثاني: أن
الضررَ يكون بالتضييق والأذَى بمزاحمة الحجاج ولو كان قصدكَ الطاعةَ والخيرَ،
فالضرر المنفي في الحديث له صورتان.
• قال الحافظ ابن رجب رحمه
الله:
"الْمُرَادُ: إِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ:
- أَحَدُهُمَا: أَنْ
لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ سِوَى الضَّرَرِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ، فَهَذَا لَا
رَيْبَ فِي قُبْحِهِ وَتَحْرِيمِهِ.
- وَالنَّوْعُ
الثَّانِي: أَنْ
يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ آخَرُ صَحِيحٌ، مِثْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا
فِيهِ مُصْلِحَةٌ لَهُ، فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى ضَرَرِ غَيْرِهِ، أَوْ يَمْنَعُ
غَيْرَهُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ تَوْفِيرًا لَهُ، فَيَتَضَرَّرُ
الْمَمْنُوعُ بِذَلِكَ"([29]).
% % %
الشبهة
السابعة
# أن الحج بلا تصريح محرم ويأثم فاعله لكن سيغفر
للحاج يوم عرفة !! وعليه فلا مشكلة من الحج بلا تصريح!.
• والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
- الوجه
الأول:
أن بعضَ الناس ديدَنه التحايل على أوامرِ وليِّ الأمر، بمثل هذه الشبهات الخدّاعة
الزائفة!، وهذا التحايل يُؤدّي إلى سقوط هَيبة السلطان.
• قال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله: "إذا سَقطت هيبةُ السلطان فسَدَت البلدان،
وحلت الفوضى والفتن، والشر والفساد، ولو كان هذا الذي يغتاب ولاة الأمور، يقصد
الإصلاح، فإن ما يُفسد أكثر مما يُصلح، وما يترتب على غيبة ولاة الأمور أعظم من
الذنب الذي ارتَكبوه، لأنه كلَّما هانَ شأن السلطان في قلوب الناس تمردوا عليه ولم
يَعبئوا بمخالفتِه ولا بمنابَذتِه، وهذا بلا شك ليسَ إصلاحاً، بل هو إفساد وزعزعة
للأمن ونشر للفوضى ..." ([30]).
وكان الواجب على من يُعلم الناسَ
أن يُعلِّمهم الالِتزام بالأوامر الشرعية واجتِناب النواهي، كوجوب السمع والطاعة
لوليِّ الأمر في غير معصية الله وتحريم مخالفة ولي الأمر.
- الوجه
الثاني: أن
من أتى بمعصية في حجِّه فحجُّه ناقصُ الأجر.
• قال العلامة ابن باز رحمه
الله:
"إذا كان حِين حجّ يأتي بعض المعاصي فحَجُّه ناقصٌ، ولكنه يُبرئ ذمته من الفَريضة،
لكن يكون حجه ناقصًا، لا يكون مبرورًا، يكون ناقصًا"([31]).
• وقال العلامة ابن عثيمين رحمه
الله:
"المعصية مُطلقاً تُنقص من ثواب الحج"([32]).
فمَنْ
حجَّ بلا تصريح وقعَ في أمر محرم فحَجُّه ناقص!.
- الوجه
الثالث: أن
مَنْ حجَّ بلا تَصريح لم يَكن حجّه مبرورًا.
• قال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله: "الحجُّ المبرور هو الذي اجتَمعت فيه أمور
... منها: أن
يجتنبَ فيه الرفثَ والفسوقَ والجدال ... لابُد أن يكونَ قد تجنَّبَ فيه الرفثَ
والفسوقَ والجدالَ: المجادلة والمنازعة بين الناس في الحجِّ هذه تنقص الحج
كثيرًا"([33]).
• وقال أيضًا: "النبي r اشترطَ في الحجِّ أن يكون مبرورًا: أن يتجنب فيه المحظور"([34]).
- الوجه
الرابع: أن
الواجبَ على الحاجِّ تركُ المحرمات.
• قال العلامة ابن باز رحمه
الله:
"يجب على المحرم أن يتركَ الرفثَ والفسوقَ والجدالَ"([35]).
• وقال أيضًا: "المؤمن
يجتنب الفُسوقَ في الحج وفي غيره، فكلُّ المعاصي تُسمَّى فسوقًا"([36]).
• وقال أيضًا: "وصيتِّي
للجميع أن يتّقوا الله، وأن يَحرصُوا كثيرًا على ما فرضَ الله، وعلى ترك ما حرم
الله، وأن يكملوا حجهم بالبعد عن كل ما حرم الله عليهم حتى يكون الحج كاملاً
تامًّا"([37]).
- الوجه
الخامس: أن
الحجَّ بلا تصريح فيه إيذاءٌ للحجاج وتَضييق عليهم، وفيه جُرأة على حقِّ وليِّ
الأمر، وهذا من الحقوق التي بينَ العباد.
• قال العلامة ابن عثيمين
رحمه الله: "يجب عليه أن يجتنب إيذاء المسلمين، سواء
كان ذلك في المشاعر، أو في الأسواق، فيجتنب الإيذاء عند الازدحام في المطاف، وعند
الازدحام في المسعى، وعند الازدحام في الجمرات، وغير ذلك"([38]).
• وقال أيضًا: "يتجنب
أذيَّةَ الناس بالمزاحمة عند الطواف، أو السعي، أو الجمرات، أو غير ذلك؛ لأن أذية
الناس من الأمور المحرمة"([39]).
- الوجه
السادس:
أنَّ الحاجَّ لا يَعلم هل قُبِل منه الحج أم لا!.
• قال العلامة ابن عثيمين رحمه
الله:
"ظاهرُ قول النبي r:
"من حجَّ ولم يَرفث ولم يَفسق رجعَ كيوم ولدته أمه"([40])،
وقوله r:
"الحج المبرور ليسَ له جزاءٌ إلا الجنة"([41]). أن
الحجَّ المبرور يُكفر الكبائرَ ... ولكن يَبقى النظرُ: هل يَتَيَقَّن الإنسانُ أن
حجَّه كان مبروراً؟، هذا أمرٌ صعبٌ، لأنَّ الحجَّ المبرور ما كان مبروراً في القَصد
والعمل، أما في القَصد فأنْ يكونَ قصده بحجِّه التقربَ إلى الله تعالى ... وكذلك
المبرور في العَمل بأنْ يكونَ مُتَّبعاً رسول الله r في أداءِ المناسك، مُجتَنباً
فيه ما يَحرم على المحرم في العمل بخصوصِه وما يحرم على عامة الناس، وهذا أمرٌ
صعب، لا سيّما في عصرنا هذا، فإنه لا يكادُ يَسلم الحجُّ من تَقصير وتَفريط، أو
إفراط ومجاوزة، أو عمل سيء، أو نقص في الإخلاص؛ وعلى هذا فلا يَنبغي للإنسان أن
يعتمدَ على الحج، ثم يَذهب يَفعل الكبائر، ويقول: الكبائر يكفرها الحج. بل عليه أن
يتوبَ إلى الله سبحانه وتعالى من فعل الكبائر. وأن يقلع عنها ولا يعود، ويكون الحج
نافلة أي زيادة خير في الأعمال الصالحة"([42]).
الشبهة
الثامنة
# أن الحج عبادة مشروعة فكيف تمنع المملكة العربية
لسعودية المسلمين من أدائها!.
• والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
- الوجه
الأول: أن
المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة، ومجلس هيئة كبار العلماء قررَ
بالإجماع أن المملكة العربية السعودية بحمد
الله تحكم
شرع الله.
وقد شهِدَ العلماءُ لهذه الدولة
المباركة، وبَيَّنُوا فضلَها ومكانتها وخدمتها للإسلام والمسلمين، وإقامتها
للتوحيد والسنة ومحاربتها للشرك والبدع جزاها الله عن الإسلام
والمسلمين كل خير .
• قال العلامة عبد العزيز
ابن باز رحمه الله تعالى: العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد([43]).
• وقال أيضاً: "هذه
الدولة السعودية دولة مباركة نصرَ الله بها الحقَّ، ونصرَ بها الدين، وجمعَ بها
الكلمة، وقضى بها على أسباب الفساد، وأمن الله بها البلاد، وحصل بها من النعم
العظيمة ما لا يحصيه إلا الله، وليست مَعصومة وليسَت كاملة كل فيه نقص"([44]).
• وقال العلامة محمد بن صالح
العثيمين رحمه الله تعالى: "أُشهِدُ الله تعالى على ما
أقول وأُشهدكم أيضاً أَنني لا أَعلم أَن في الأرض اليومَ من يُطبق شريعة الله ما
يطبقه هذا الوطن -أعني: المملكة العربية السعودية– "([45]).
•
وقال العلامة صالح اللحيدان رحمه
الله تعالى :
"المملكة العربية السعودية، مملكة إسلامية ولله
الحمد وبحق يحكمها نظام الإسلام، وتحكم شريعة الإسلام،
وأصول عملها وأنظمتها مقيدة بأن لا تخالف الإسلام"([46]).
• وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله تعالى: "الدولة
السعودية مُنذ نشأت وهي تُناصر الدينَ وأهلَه وما قامت إلا على هذا الأساس، وما تَبذله
الآن من مُناصرة المسلمين في كلِّ مكانٍ بالمساعدات المالية، وبناء المراكز
الإسلامية والمساجد، وإرسال الدعاة، وطبعِ الكتب- وعلى رأسها القرآن الكريم، وفتح
المعاهـد العلمية والكليات الشرعية، وتحكيمها للشريعة الإسلامية، وجعل جهة مستقلة
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ في كل بلد كل ذلك دليلٌ واضحٌ على مناصرتها
للإسلام وأهله، وشجى في حلوق أهل النفاق وأهل الشر والشقاق، والله ناصر دينه ولو
كره المشركون والمغرضون.
ولا نقول : إن هذه الدولة كاملة
من كلِّ وجهٍ، وليسَ لها أخطاءٌ؛ فالأخطاء حاصلة من كلِّ أحد، ونسأل الله أن
يعينها على إصلاح الأخطاء.
ولو نظرَ هذا القائلُ في نفسِه
لوجد عنده من الأخطاء ما يَقصر لسانُه عن الكلام في غيرِه ويخجله من النظر إلى
الناس"([47]).
- الوجه
الثاني: أن
المملكة العربية السعودية بذَلت كل ما بِوسعِها لتَيسير الحجِّ وتسهيلِه على
الحجاج.
• قال العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه
الله تعالى:
"قد تَوفَّرت في هذا العَصر أسبابٌ؛ زادَ لأجلِها عدد الحجاج والعمار زيادة
عظيمة.
- منها: حدوثُ
وسائط النقل الأمينة السَّريعة المريحة.
- ومنها: الأمنُ
والرخاء اللَّذان لا عهدَ لهذه البلاد بهما، ولذلك زادَ عددُ السكان والمقيمين
زيادةً لا عهد بها.
- ومنها: الأعمال
العَظيمة التي قامَت بها الحكومة السعودية؛ لمصلحة الحجاج، بما فيها تَعبيد الطرق،
وتَوفير وسائط النقل، والعمارات المريحة، كمدينة الحجاج بجدة، والمظلات بمنى
ومزدلفة وعرفة، وتوفير المياه، وكل ما يحتاج إليه الحجاج في كلِّ مكان، وإقامة
المستشفيات العديدة، والمحجَر الصحي - الذي قضت به الحكومة السعودية على ما كانت
بعض الدول تتعلّل به لمنع رعايَاها عن الحج أو تَصعيبه عليهم- والعمارة العُظمى
للمسجد النبوي، والتوسعة الكبرى الجارية الآن للمسجد الحرام، وغير ذلك مِمَّا زادَ
في رغبة المسلمين من جميع البلاد في الحج"([48]).
• وقال العلامة مقبل الوادعي
رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن
جهود المملكة العربية السعودية: "ومن ذلك أيضاً:
اهتمامُهم بأمر الحَجيج وتوسعة الحرمين والرسول صلى
الله عليه وعلى آله وسلم يقول :"
مَن بنَى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة"([49]).
اهتِمامهم بأمر الحجيج والمحافظـة على أمنِهم التفتيش في أبواب الحرم وكذلك أيضاً لما كثرَ الحريقُ استَأتُوا بخيام لا تؤثّر فيها
النار فجزاهم الله خيراً غاية الاهتِمام:
الطائرة ونحن في منى تمشِي على منى من أجل المحافظة على الحجيج فجزاهم
الله خيراً على
هذا الاهتمام .
وأنا أقول: إنكَ
إذا قرأتَ في كتبَ المتقدمين وتواريخَ مكةَ ترى نبط القرمطي قد قتلَ في الحرم وفي
مكةَ وضواحِيها نحوَ ثلاثين ألفاً، وإنك تجد في بعض الأعوام منع الحجيج المصري،
وفي بعض الأحوال منع الحجيج العراقي، وفي بعض الأحوال منع الحجيج اليمني، ولكن عند
أن تمكّنت الحكومة السعودية بحمد
الله
محافظون على العَدو والصديق ويَعتبرونهم ضيوفَ الرحمن ثم ضيوفهم فجزاهم الله خيراً وإنهم
ليُشكَرون على ذلك، وما يَستطيع أحدٌ من الحكومات كلّها أن يقومَ بهذا لكن هم جزاهم
الله خيراً قائِمون([50]).
العساكر مَبثوثون، المسؤلون كذلك مَبثوثون،
فجزاهم
الله خيراً
والحمد لله، منهم مَنْ هو لابسٌ لباساً رسمياً، ومنهم من هو لابسٌ لباساً غير رسمي
من أجل ملاحظة أحوال الناس، والحمد لله، هذه نِعمة من الله سبحانه وتعالى على هؤلاء
الحكام"([51]).
قلت: ولا زالت الدولة
السعودية إلى يومنا هذا جزاها الله خيراً تَسعى
لما فيه مصلحة الحجاج والمعتمرين، وما توسعة الحرمين في عَهد سيدي ومَولاي خادم
الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه
الله تعالى من كل سوء ومكروه وولي عهدِه
الأمين سيدي محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه إلا
استمرارًا لما عُرف به آل سعود حكام هذه البلاد جزاهم
الله خيراً من خدمة الإسلام والمسلمين بكل وسعهم وطاقتهم.
فاللهم اخلف عليهم خيراً، ومَكِّن لهم في الأرض يا ربَّ العالمين .
- الوجه الثالث: أن المملكة العربية السعودية لم تَمنع أحدًا من
الحج، بل نظّمت أعدادَ الحجاج مراعاة لمصلحة الحج والحجاج، وتَسمح بالحج لمن حجَّ
سابقًا كل خمسة أعوام.
• قالت هيئة كبار العلماء: "لا
يجوزُ الذهابُ إلى الحج دون أخذِ تصريح، ويأثمُ فاعله؛ لما فيهِ من مخالفةِ أمرِ
وليِّ الأمرِ الذي ما صدرَ إلا تحقيقاً للمصَلحةِ العامة، ولا سيما دَفْعَ
الإضرارِ بعمومِ الحُجاج".
• قال ابن رجب رحمه الله: "السمع
والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا، وبها تنتَظم مصالح العباد في
معايشهم وبها يَستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم"([52]).
ومن
كان مُستطيعًا للحج كل خمسة لم يُحرم الخير؛ قال رسول الله r: "قال الله: إن عبدًا صَحَحتُ له جسمه،
ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم"([53]).
- الوجه الرابع: أن بعضَ
المسلمين لم يحج، وبهذا التنظيم يسمح لمن لم يحج بالحج ولو فتح الباب لما استطاع
كثير من الحجاج من أداء الحج.
وبهذا سيتَحَقَّق الحجُ لعدد
كبير جدًا ممن لم يحج بفضل الله تعالى ثم بفضل قيادة المملكة العربية السعودية
الحكيمة جزاهم الله خيرًا وكتب أجرهم.
- الوجه الخامس:
أن من لم يَستطع الحج حتى مات فهو مَعذور شرعًا.
• قالت هيئة كبار العلماء عن
من لم يَحصل على تصريح الحج: "إن كان الحجُّ حجَّ فريضةٍ ولم يتمكنِ المكلفُ
مِنِ استخراجِ تصريحِ الحج فإنّهُ في حُكمِ عَدمِ المستطيع، قال اللهُ تعالى:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقال سبحانه؛ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾".
- الوجه السادس: قال
رسول اللَّه r:
"الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"([54]).
فبَيَّنَ النبي r
أن
وليَّ الأمر راعٍ لنا، يَرعى مصالح الإسلام والمسلمين، وأننا رعيته نَسمع ونُطيع
له في غير معصية الله، فلوليِّ الأمر أن يمنعَ بعضَ الناس من أمر مَشروع –استحبابًا
أو وجوبًا كفائيًا- مراعاة لمصلحة يَراها.
• قال العلامة حماد الأنصاري
رحمه الله تعالى: إذا كانَ ولاة الأمر مَنعوا بعض
الناسَ من الدعوة ونحوها، فَعليهم أن يَلزمُوا بيوتهم ... سمعاً وطاعة للسلطان،
وهذه الدولة لا تأمر بمعصية"([55]).
• وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "
إذا رأوا -أي
ولاة الأمر- مثلاً: إسكاتَ واحدٍ
منَّا، قال -أي ولي الأمر- : لا تَتَكلّم فهذا عذرٌ
عندَ الله لا أتكلم كمَا أمرني؛ لأن بيانَ الحقِّ فرضُ كفاية لا يقتصر على زيد
وعمرو، لو علقنا الحقَّ بأشخاصٍ ماتَ الحقُّ بموتِه، الحقُّ لا يُعلَّق بأشخاص.
افرض أنهم منعوني أنا!.
قال:
لا تَتَكَلَّم، لا تَخطب، لا تَشرح، لا تُدرّس؛ سمعاً وطاعةَ.
أذهب أصلي إنْ أذنُوا لي أكون
إماماً صرتُ إماماً!، وإن قالوا: لا تؤمّ الناسَ ما أممتُ الناسَ صرتُ مأموماً؛
لأن الحقَّ يقوم بالغير، ولا يَعني أنهم إذا مَنعوني قد مَنعوا الناسَ كلَّهم.
ولنا في ذلك أسوة، فإن عمار بن
ياسر t كان يحُدث عن
الرسول عليه الصلاة والسلام أنه يأمر
الجنبَ أن يَتيمّم، وكان عمر بن الخطاب لا يَرى ذلك، فدعاه ذاتَ يوم، فقال: ما هذا الحديث الذي تُحدث الناسَ به؟، -يعني
يتيمم الجنب إذا عدم الماء-، فقال: أمَا تذكرُ حين بعثني النبُّي عليه
الصلاة والسلام
وإياكَ في حاجة فاجنبتُ وتمرّغت بالصعيد، وأتيتُ النبيَّ صلى
الله عليه وآله وسلم وأخبرتُه،
وقال: "يَكفيك أن تقول بيديك هكذا". وذكر له التيمم. ولكن يَا أميرَ
المؤمنين إنِّي بما جعلَ الله لكَ عليَّ من الطاعةِ إن شئتَ أن لا أحدّثَ به فعلتُ([56]).
الله أكبر صحابي جليل يُمسك عن
الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأمر
الخليفة الذي له الطاعة .
فقال له:
لا؛ أنا لا أمنعكَ، لكن أُوليكَ ما تَولّيت. يعني أن العُهدة عليكَ.
فإذا رأى وليّ الأمر أن يمنعَ
أشرطةَ ابن عثيمين، أو أشرطةَ ابن باز، أو أشرطة فلان نمتنع. وأمَّا أن نتخذَ من
مثلِ هذه الإجراءات سبيلاً إلى إثارة الناس ولا سيَما الشباب، وإلى تَنفير القُلوب
عن ولاة الأمور؛ فهذا والله يا إخواني عَين المعصية، وهذا أحد الأُسس التي تحصل به
الفتنة بين الناس ...لماذا لا نَعلم أن القلوبَ إذا تَنافرت تناثر الأمن وتمرد
الناس، حتى لو مَنعوا أشرطةَ فلان وفلان؛ ما يَهم نقول نسأل الله لهم الهداية .
وهل
نحن أعلم وأديَن وأفقَه من الإمام أحمد؟، كان الإمام أحمد يُضرب ويجُرّ بالبغلة،
ويُضرب بالسياط حتى يُغمَى عليه، ومع ذلك يقول: لو أعلم أن لِي دعوةً مُستَجابة لصرفتها للسلطان، وكان
يَدعو المأمونَ بأمير المؤمنين، والمأمونُ يَدعو لبدعة عظيمة، للقول بخلق القرآن،
حتى جَعلوه يُدرّس في المدارس -القولُ بخلق القرآن- ونحن هل رأينا من ولاة أمورنا
مثل ذلك؟، هل عَلمتم أنهم دَعوا إلى بدعة وقالوا من ضادَنا فيها فسَوف نقتله أو نَحبسه
أو نضربه؟، أنا لا أعرف!"([57]).
وصلى
الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
كتبه:
أد. أحمد بن عمر بازمول
([50]) قال
محمد الخاطر مفتي الديار المصرية سابقـاً :"لقد نفذت المملكة العربية
السعودية الحدود ، فاستقر الأمن واستتب ، وأمن الناس على أموالهم وأعراضهم ، وكلنا
يعرف ما كان يلاقيه الحجيج قبل تنفيذ الحدود من ترويع وخوف واعتداء على النفس
والمال ، وما استقر إلا من بعد تنفيذها". انظر: تطبيق الشريعة الإسلامية
(126) لمحمد هنادي.

حمل الملف الصوتي | |
File Size: | 507 kb |
File Type: |