ما لايصح في الصيام | الحلقة الثانية عشرة
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فسنقف في هذه الحلقة إن شاء الله تعالى على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنهم يظنون أن بلع الريق واللعاب لا يجوز وأنه يجب عليهم أن يتفلوه وهذا خطأ فابتلاع الريق واللعاب لا يفسد الصوم ولو كثر ذلك وتتابع ولكن إذا كان بلغماً غليظاً وهو المعروف بالنخامة فيجب تفله في منديل ونحوه.
وهنا مسألة يحتاج إليها ألا وهي ما الحكم إذا بلع ريقه وبين الأسنان شيء من الطعام؟
والجواب أنه لا يضر إن شاء الله قال ابن المنذر رحمه الله : أجمعوا على أنه لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على إخراجه انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أن بعضهم إذا توضأ بالغ في استنشاق الماء والاستنشاق هو إدخال الماء إلى الأنف وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصائم إذا توضأ أن لا يبالغ في الاستنشاق فعنلقيط بن صبرة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"
ومن الأخطاء المترتبة على ما سبق أن بعض الصائمين إذا توضأ لا يدخل الماء في أنفه خوفاً من دخوله في حلقه زعموا فتراه يكتفي بغسل مقدم أنفه فيخل في وضوئه وهذا لا شك أنه خطأ كبير إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المبالغة في الاستنشاق لا عن الاستنشاق ولذلك قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء ولم يميز بين الصائم انتهى .
ومراده في أصل الاستنشاق أما المبالغة فمنهي عنها للصائم كما سبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضمضة والاستنشاق مشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم لكن قال للقيط بن صبرة "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق انتهى
ومن الأخطاء أن بعضهم إذا يبس ونشف فمه وهو صائم يتحرج من المضمضة من غير الوضوء وهذا التحرج خطأ فالمضمضة لا تفسد الصوم؛ لأن الفم في حكم الظاهر بدليل أننا نتمضمض في الوضوء وجوباً فالمضمضة بالماء إذا يبس الفم من شدة الحر مما ييسر الصوم ويسهله قال الإمام البخاري في صحيحه قال عطاء إن تمضمض ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضيره إن لم يزدرد – يبلع - ريقه وماذا بقي في فيه فإن استنثر فدخل الماء حلقه لا بأس إن لم يملك.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضمضة والاستنشاق مشروعان للصائم باتفاق العلماء.
وهنا مسألة يحتاج إليها الصائمون : ألا وهي ما حكم الصائم إذا دخل الماء في جوفه وهو يتوضأ أو يغتسل أو يتمضمض من غير وضوء وما حكمه إذا دخل الذباب في حلقه ؟
والجواب هو أن من اغتسل أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء في حلقه من غير اختياره لم يفسد صومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رفع عن أمتي الخطأ و النسيان وما استكرهوا عليه"
و إذا استنثر فدخل الماء في حلقه دون إرادته فلا يضر إن شاء الله تعالى.
فعن ابن جريج قلت لعطاء إنسان يستنثر فدخل الماء في حلقه قال لا بأس بذلك وقال عطاء أيضاً : إن استنثر فدخل الماء في حلقة لا بأس إن لم يملك .
قال الحافظ : أي دفع الماء بأن غلبه فإن ملك دفع الماء فلم يدفعه حتى دخل حلقه أفطر
وعن ابن جريج قلت لعطاء الصائم يمضمض ثم يزدرد ريقه وهو صائم قال لا يضره وما بقي في فيه.
قال ابن بطال : ظاهره إباحة الازدراد لما بقي في الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا بقي في فيه وكان ذا سقطت من رواية البخاري انتهى كلامه رحمه الله.
قال الحافظ : ما على ظاهر ما أورده البخاري موصولة أي والذي بقي في فيه وعلى ما وقع من رواية ابن جريج استفهامية وكأنه قال وأي شيء يبقى في فيه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء فإذا بلع ريقه لا يضره انتهى
وقال ابن قيم الجوزية: من تمام الاعتدال في الصوم التفريق بين ما يمكن الاحتراز منه وبين ما لا يمكن الاحتراز منه فلم يفطر بالاحتلام ولا بالقيء الذارع كما لا يفطر بغبار الطحين وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل انتهى
وأما الذباب فدخوله في الحلق لا يضر أيضاً قال الحسن:إن دخل في حلقه الذباب فلا شيء عليه .
وقال الزين ابن المنير دخول الذباب أقعد بالغلبة وعدم الاختيار من دخول الماء لأن الذباب يدخل بنفسه بخلاف الاستنشاق والمضمضة انتهى
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يتحرج من استعمال السواك في نهار رمضان و هذا لا شك أنه خطأ منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مراراً كثيرة تفوت الإحصاء ويعلم أنهم يقتدون به ولم يقل لهم يوماً من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع والله أعلم
ولو احتج عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" لكانت حجة وبقوله صلى الله عليه وسلم "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" وسائر الأحاديث المرغبة في السواك من غير تفصيل ولم يجيء في منع الصائم منه حديث صحيح
وعن زياد بن حدير الأسدي قال ما رأيت رجلاً أدأب للسواك من عمر بن الخطاب وهو صائم ولكن بعود قد ذوي يعني يابس.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يرى بأساً بالسواك للصائم .
وقال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه.
وقال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:السواك جائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه انتهى
وقال ابن قيم الجوزية : صح أنه كان يستاك وهو صائم و لم يصح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره بل قد روي عنه خلافه انتهى
قلت : استدل بعضهم بأحاديث تدل على النهي عن السواك للصائم لكنها ضعيفة لا تصح كما قاله ابن تيمية وابن قيم الجوزية رحمهما الله و سأذكرها إن شاء الله في حلقة قادمة.
وفي الختام : هذا بعض الأخطاء التي أردت التنبيه عليها؛ فاحرصوا رحمني الله وإياكم على لزوم السنة والبعد عن البدعة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والحمد لله رب العالمين .
أخوكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول