سؤال وجواب عن المزاح
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :
فقد سئلت عن
حكم المزاح والضحك قبل البدء بالدرس من باب الترغيب في طلب العلم، وتحبيب المنهج
السلفي ؟ وهل يعاب من فعل ذلك ؟
الجواب : لا
مانع من المزاح والضحك أحيانًا سواء كان قبل الدرس أو وسطه أو منتهاه أو كان خارج
الدرس؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه؛ قال أبو هريرة رضي الله
عنه : قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لاَ
أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا"([1]).
قوله
:"تداعبنا" من الدعابة أي تمازحنا([2]).
وفيه التنبيه على
أن المزاح الحق لا حرج فيه([3]).
وقال أنس بن
مالك رضي الله عنه : إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطُنَا،
حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ :"يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ
النُّغَيْرُ"([4]).
قال الترمذي
:"وفقه هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح ...
وإنما قال له
النبي صلى الله عليه وسلم :"يا أبا عمير، ما فعل النّغير"؛ لأنه كان له
نغير يلعب به، فمات فحزن الغلام عليه فمازحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :"يا
أبا عمير: ما فعل النغير"([5]).
وكان الصحابة
يتمازحون فعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :"كَانَ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ، فَإِذَا كَانَتِ
الحقائِق كَانُوا هُمُ الرجال"([6]).
قال الخطابي
:"قوله "يَتَبَادَحُون" أي يَتَرَامَوْن, والبَدْحُ: رميك بالشيء
فيه رخاوة"([7]).
والتبسم مرغب
فيه شرعًا؛ قال صلى الله عليه وسلم :"تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ"([8]).
وقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :" لا تَحقِرنَّ مِنَ المعروفِ شَيئًا، ولوْ
أَنْ تَلْقى أَخاك بوَجْهٍ طَليقٍ"([9]).
وقال عَبْداللَّهِ
بْن الْحَارِثِ رضي الله عنه :"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا
مِنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم"([10]).
وقال جرير رضي
الله عنه :"مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ
أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي"([11]).
قال شيخنا ابن
عثيمين رحمه الله :"ربما يكون ضحك الإنسان ومزحه مع إخوانه من أجل إدخال
السرور عليهم، ربما يكون من العبادة أن يدخل الإنسان السرور على إخوانه([12]).
ومع ذلك فإنه ينبغي له ألا يكثر
من الضحك والمزاح"([13]).
وقال أيضًا :"إذا
كان هذا المزاح حقًا بحيث لا يتضمن كذبًا ولا يتضمن سخرية بأحد وإنما هو مرح من
أجل شرح صدور إخوانه وأصحابه فإنه لا بأس به بل قد يكون مأجورًا عليه بالنية
الطيبة إذا قصد بذلك دفع السآمة عن إخوانه وإدخال السرور عليهم"([14]).
وقال أيضًا
:"المزاح لا شك أنه يشرح الصدر ويوجب الأنس ويدخل السرور وكان النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا فإذا كان المزاح حقًا فهو مطلوب لاسيما
إذا شعر الإنسان من جليسه بالملل والسآمة وأتى بما يروح عن نفسه فإن هذا من الأمور
المحمودة"([15]).
والضحك يكون
مذمومًا في صورتين([16]) :
1-
كثرة الضحك؛
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم :"لَا تُكْثِرُوا
الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ"([17]).
قال شيخنا ابن
عثيمين رحمه الله :"من أسباب قسوة القلب : كثرة المزاح"([18]).
وذكر شيخنا
ابن باز رحمه الله من آداب المعلم :"ينبغي أن يكون قليل المزاح، واسع البال،
طلق الوجه حسن البشر رحب الصدر"([19]).
2-
أن يشتمل على
أمر محرم كالاستهزاء بالدين أو الكذب، أو السخرية من الناس والاستهزاء بهم مما
يؤدي إلى الشحناء والبغضاء والتهاجر أو الغيبة أو القذف وغيره :
قال صلى الله
عليه وسلم :"أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ
الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا"([20]).
وقال صلى الله
عليه وسلم :"وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، ثُمَّ يَكْذِبُ
لِيُضْحِكَهُمْ وَيْلٌ لَهُ. وَوَيْلٌ لَهُ"([21]).
قال شيخنا ابن
باز رحمه الله :"المزاح بالكذب وأنواع الكفر من أعظم المنكرات ومن أخطرها ما
يكون بين الناس في مجالسهم، فالواجب الحذر من ذلك، وقد حذر الله من ذلك بقوله: âوَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ
كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْá ([22])"([23]).
وقال شيخنا
ابن عثيمين رحمه الله :"قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحًا
فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات
الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزوًا أو مزحًا"([24]).
وقال أيضًا
:"الكلام البذئ الذي فيه القذف أو اللعن أو ما أشبه ذلك حرام حتى وإن كان على
سبيل المزاح؛ لأن للمسلم حرمة لا يجوز انتهاكها وأما الكلام الذي لا يتضمن مثل هذا
فهو لغو إن كان فيه خير بأن كان وسيلة للتآلف والتحاب فهو خير وإلا فتركه أولى
لقول الله تعالى âوَإِذَا
مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًاá([25])"([26]).
وقال أيضًا
:"إذا تضمن كذبًا أو سخرية بأحد فإنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :"ويل لمن حدث وكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له". وأما السخرية
فهي حرام أيضا؛ لأن "المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" والسخرية
به من أكبر خدش عرض أخيه"([27]).
وقال أيضًا :"المزاح
الكذب الذي يكذب به الإنسان من أجل أن يضحك القوم فقط قد قال النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم :"ويل لمن حدث وكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له"
وهذا يدل على تحريمه أما لو ذكر قصة وقعت لشخص وهي حقيقة وهي مضحكة ولم يذكر اسمه
فلا حرج في هذا لأنه ليس فيه محظور"([28]).
وقال أيضًا
:"كثرة المزاح لا خير فيه وقد قيل المزح في الكلام كالملح في الطعام لا يصلح
الطعام بدونه ولا يصلح الطعام إذا زاد الملح ثم إن من الناس من يتجاوز في المزح
فيذكر من الألفاظ النابية في حق إخوانه ما لا يليق وربما يصل ذلك إلى أبعد من هذا
فقد يكون منه سخرية بشيء من العبادات أو بشيء من الدين وهذا خطير جدًا جدًا قد
يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله"([29]).
وقال أيضًا
:"هل المزح ممدوح مطلقًا أو مذموم مطلقًا ؟ نقول: في ذلك تفصيل :
إذا كثر فهو
مذموم من حيث كونه خُلُقًا سيئًا، كثير المزاح لا قيمة له ويضجر الناس ويسقط من
أعينهم.
وإن قل نظرنا
إن خوطب به من يكره ذلك ويتأذى به فإنه منهي عنه؛ لأن إيذاء المؤمن حرام([30]).
وبقي عندنا
قسم ثالث: ألا يكون كثيرًا وألا يتأذى به من خوطب به، ولكن يقوله الإنسان من أجل
أن يذهب الهيبة من قلوب الحاضرين ويدخل السرور عليهم؛ لأن الإنسان إذا كان يمزح
زالت الهيبة الشديدة التي تحول بينه وبين الناس وصار الناس يحبونه"([31]).
وبما سبق يظهر
الجواب عن السؤال الثاني : هل يعاب من مزح قبل الدرس ؟
بأنه لا مانع
من ذلك بل إذا حقق مصلحة من تحبيب العلم والمنهج السلفي فهو مشروع مندوب إليه.
وأما ذم
المزاح مطلقًا؛ فليس بصحيح([32])،
واعتباره أنه يخالف الأدب الشرعي، وأنه لا يليق بطالب العلم ولا العالم فضلًا عن
عامة الناس؛ فهو أمر مُحْدَثٌ وأشبه بطقوس الصوفية ومن جرى مجراهم([33]).
([12])
قال الغزي في المراح في المزاح (35)
:"المزاح مَنْدُوب إِلَيْهِ بَين الإخوان، والأصدقاء والخلان. لما فِيهِ من
ترويح الْقُلُوب، والاستئناس الْمَطْلُوب، بِشَرْط أَن لَا يكون فِيهِ قذف وَلَا
غيبَة، وَلَا يُحَرك الحقود الكمينة".
([20])
أخرجه أبو داود في السنن(رقم4800) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.وحسنه الألباني
في الصحيحة (رقم273).

حمل الملف | |
File Size: | 524 kb |
File Type: |