صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات علي الحلبي | الحلقة الأولى
لفضيلة الشيخ أ د أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فقد ذكرت في التحذير السلفي من كتاب منهج السلف للحلبي عدة ملاحظات على هذا الكتاب، وقد ذكرتها بحمد الله تعالى بعلم لا بهوى أو بجهل أو مجرد دعوى، وفي هذه الحلقة مع حلقات تتبعها بإذن الله تعالى أناقش علي بن حسن الحلبي في كتابه (منهج السلف الصالح) مبيناً من كلامه تلك الملاحظات مع تعقبها بالحجة والبرهان.
وقد سميت هذه الحلقات (صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات علي الحلبي)
فأقول مستعيناً بالله تعالى :
الملاحظة الأولى
تأصيل الحلبي وتقعيده قواعد على خلاف منهج السلف الصالح في التعامل مع أهل البدع والأهواء
قال الحلبي في كتابه ص139 تحت (المسألة الحادية عشرة : بين العقيدة والمنهج) :" وخلاصة القول بعد الإشارة إلى وجود الاختلاف السني المذكور في ضبط الفرق بين العقيدة والمنهج : المنهج سياج العقيدة وحصنها المنيع، فلو حصل أن أحداً كان ذا عقيدة سلفية في نفسه ولكنه منحرف في منهجه حزبياً كان أم غيره، فإن الشيء الأقوى فيه منهجاً أو عقيدة هو الذي سيسطر عليه، ويؤثر فيه بحيث لا يستمر كما يقال في حالة انعدام الوزن التي يعيشها.
فإما أن يؤثر منهجه على عقيدته فيؤول مبتدعاً مكشوفاً .
وإما أن تؤثر عقيدته على منهجه فيصبح سلفياً معروفاً.
وإن الأخيرة لأحب إلينا من الأولى ولذلك ندعو ونجد ونصبر ونتصبر).
أقول ولي معه وقفات :
الوقفة الأولى : يعتبر الحلبي أن القاعدة في سلفية الرجل هي العقيدة أما المنهج فيمكن أن يغتفر منهجه إذا سلمت عقيدته.
فيمكن أن يكون الرجل سلفياً في العقيدة مع انحرافه في المنهج بشرط أن تكون عقيدته هي المسيطرة.
وهذا باطل من القول وبيانه في الوقفة الثانية :
الوقفة الثانية: قول الحلبي (الاختلاف السني)
أقول: يشير به إلى اختلاف أهل العلم في العقيدة والمنهج هل هما شيء واحد أم بينهما اختلاف ؟
فذهب الشيخ ابن باز وغيره من أهل العلم إلى أنهما شيء واحد.
وذهب الشيخ الألباني وغيره من أهل العلم إلى التفريق بين المنهج والعقيدة.
قال الشيخ صالح الفوزان كما في الأجوبة المفيدة (123) :" المنهج أعم من العقيـدة، المنهج يكون في العقيدة وفي السلوك والأخلاق والمعاملات وفي كل حياة المسلم، كل الخطة التي يسير عليها المسلم تسمى المنهج. أما العقيدة فيراد بها أصل الإيمان، ومعنى الشهادتين ومقتضاهما هذه هي العقيدة"
فمن لم يفرق بين المنهج والعقيدة فهذا لا يقر قاعدتك ويردها؛ لأن المنهج والعقيدة عنده شيء واحد فالمخالفة في المنهج مخالفة في العقيدة.
ومن فرق بين العقيدة والمنهج، لا يفرق بينهما التفريق التام، بل جعل العقيدة من المنهج، فهو لا يقبل أن تكون عقيدته سلفية ومنهجه مخالف للسلف؛ لأن العقيدة داخلة عنده في مسمى المنهج.
وبهذا يظهر خطأ الحلبي في المسألة. فالاعتقاد والمنهج متلازمان لا ينفكان؛ قال الشيخ الألباني في فتنة التكفير (53-بتعليق الحلبي) في قوله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} :"إتباع سبيل المؤمنين أو عدم إتباع سبيلهم أمر هام جداً إيجاباً وسلباً فمن اتبع سبيل المؤمنين : فهو الناجي عند رب العالمين ومن خالف سبيل المؤمنين : فحسبه جهنم وبئس المصير" انتهى.
وقال الشيخ صالح الفوزان كما في الأجوبة المفيدة (125) :" المنهج إذا كان صحيحاً صار صاحبه من أهل الجنة؛ فإذا كان على منهج الرسول e ومنهج السلف الصالح يصير من أهل الجنة بإذن الله، وإذا صار على منهج الضُّلاِّل فهو مُتَوَعَّدٌ بالنار، فَصِحَّة المنهج من عدمها يترتب عليها جنة أو نار" انتهى
وهذا الكلام من الشيخ الألباني والشيخ صالح الفوزان يدل دلالة واضحة على أن هناك تلازماً بين العقيدة والمنهج .
وقال الشيخ عبيد الجابري في (الإيضاح والبيان في كشف بعض طرائق فرقة الإخوان) :"الإسلام مؤلف من هذين:صحة المعتقد وسلامة المنهج وسداده ، فلا ينفك أحدهما عن الآخر ، فمن فسد منهجه فثقوا أن هذا نابع من فساد عقيدته ، فإذا استقامت العقيدة على الوجه الصحيح ، استقام كذلك المنهج"انتهى
الوقفة الثالثة : ما الدليل على هذه القاعدة من منهج السلف؟
وكيف خالفت العلماء الكبار بهذا المنهج الجديد المحدث ؟
ولا شك أن منهج السلف بخلاف قولك هذا
قال سليمان بن حرب :" من زال عن السنة بشعرة فلا تعتدن به" أخرجه الهروي في ذم الكلام وأهله (2/400رقم485).
وقال ابن عون :" من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع " أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/473رقم486).
وَمن صحب أهل البدع حذر منهم، فإن تركهم وإلا ألحق بهم ولا كرامة، قال الفضيل بن عياض :"من جلس مع صاحب بدعة فاحذره" أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (8/103) وابن بطة في الإبانة (2/459رقم437).
وسأل أَبُو دَاوُد الإمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ :" أَرَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ أَتْرُكُ كَلَامَهُ ؟
فقَالَ : لَا أَوْ تُعْلِمُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْته مَعَهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَ كَلَامَهُ فَكَلِّمْهُ، وَإِلَّا فَأَلْحِقْهُ بِهِ". كما في طبقات الحنابلة (1/160) لابن أبي يعلى.
وقال البربهاري :" إذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذره وعرفه فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى" شرح السنة (112رقم145).
قال مبشر بن إسماعيل الحبلي: قيل للأوزاعي: إن رجلاً يقول: أنا أجالس أهل السنة، وأجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل" أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/456رقم430).
وقد حذر الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى من أشخاص على خير ومحبين للخير لكن عندهم شبهات ملبس عليهم فيها فنصح بعدم حضور مجالسهم في شريط له بعنوان (اصبروا يا أهل السنة) كما نقله إحسان أبو نعيم في مقال بسحاب عنوانه (موقف عظيم لإمام عظيم : الشيخ مقبل يحذر من مجالسة شخص مع أنه على خير ومحب للخير ، لكن عنده شبهات ! لأبي نعيم إحسان).
وسئل الشيخ صالح اللحيدان كما في درسه في المسجد النبوي بتاريخ (23/10/ 1418هـ) السؤال التالي : طالب علم يجالس أهل السنة وأهل البدع، ويقول : كفى الأمة تفريقاً وأنا أجالس الجميع.
فأجابه الشيخ بقوله : هذا مبتدع، من لم يفرق بين الحق والباطل ويدعي أن هذا لجمع الكلمة فهذا هو الابتداع، نسأل الله أن يهديه انتهى.
وقال الشيخ ربيع المدخلي في الموقف الصحيح من أهل البدع) إذا كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم ومخالطتهمما دليلك على الجواز، الرسول صلى الله عليه وسلم حَذَّر ، الرسول صلى الله عليه وسلم أنذر، الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ،ونفذوا توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة،فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك الخير،ويخافون عليك من الوقوع في الشر"انتهى
فإن قيل: الحلبي لا يخالف هذا ! لأن كلام الحلبي في أهل السنة!
أقول : سبحان الله !
أين عقول السلفيين، هل ينكر العلماء السلفيون جلوس السلفي السني مع السلفي السني لو أنكر العلماء هذا لكان تهمة عليهم .
لكن الحلبي يغالط فيعتبر المغراوي والمأربي ومحمد حسان وغيرهم سلفيين وأهل عقيدة صحيحة ولذلك هو في كتابه لم يذكرهم ولم يفصح عنهم.
لماذا ؟
لأنه لو سماهم وعينهم سيقول له السلفيون : يا شيخ علي هؤلاء مبتدعة
سيرد : عندك وعند مشايخك السلفيين أما عندي فهؤلاء أهل السنة.
فسيقولون له : من أثنى على أهل البدع يلحق بهم إذا كان يعلم حالهم بعد التنبيه فضلاً أن يوصف أهل البدع بأهل سنة، فهذا أخطر، بلا شك.
فالمشايخ السلفيون يعتبرونهم أهل بدعة وعندهم فتنة التكفير للحكام وغيرهم.
فإن قيل: هؤلاء الرؤوس تابوا وتركوا ما هم عليه.
فالجواب عنه كما يلي : سُئل فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله - ما نصه: كثيراً ما يقع الخلل والخلاف بين الشباب السلفي بسبب رجوع أو إدّعاء رجوعمخالف لمنهج السلف إلى حظيرة المنهج السلفي فما نصيحتكم للشباب ؟ إذ بعضهم يقبلالتوبة وبعضهم لا يقبلها ؟
فأجاب حفظه الله تعالى :" على كل حالإذا وقع الإنسان في ذنب ، وقع في شبهة ، وقع في بدعة، ثم تاب وأناب إلى الله فلا يجوز لأحد أن يغلق باب التوبة في وجهه ، لأن باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا تاب إنسان ورجع فيجب أن نحمده وأن نشجعه ، لكن يعني بعض الناس قديكون معروفاً بالكذب والتلوُّن فيتظاهر بالتوبة وهذا نقول : إن شاء الله توبتك مقبولة ولكن نأخذ الحيطة منه حتى تظهر توبته الصحيحة.
أبو الحسن الأشعري أعلن توبته على المنبر ، كان معتزلياً غالياً بل رأساً من رؤوس المعتزلة وظل أربعين سنةيكافح عن هذا المذهب الخبيث ثم تاب، وأعلن توبته ، ومن دلائل توبته أنه شَرَعَ يؤلف الكتب في الردود المفحمة للمعتزلة ، يردّ عليهم (شبههم) فهناك علامات لصدق التوبة ،العملية تُذْهِب الريبة ، يعني يتعمم ويظهر فيما يبدوا للناس أنه يتبع الحق، هناكأمور تدل على صدقه وقد تكون قرائن على كذبه، فإذا كانت هناك قرائن تدل على صدقه فيُشجَّع، وإذا كان هناك قرائن تدل على دعواه فقط فهذا يجب أن يتيقظ له السلفيون لأنه قد يكون مخادعاً لأن الآن عصر السياسة والنفاق والتقية ، شاعت الأحزاب ، ولايتمكّنون من تضييع الشباب السلفي وصدهم عن المنهج السلفي إلا بادعاء السلفية أوالرجوع عن الأخطاء المضادة للمنهج السلفي ، فإذا ركنوا إليه استطاع أن يجتذب منهم من استطاع اجتذابه إلى منهجه الفاسد ، هذا وقع وعلى كل حال من ظهرت منه التوبةيُشجّع ومن ظهر منه التلاعب يجب أن يُحذر منه وان يكون السلفيون في يقظة من أمثال هؤلاء " انتهى
فهل نقدم العقل والهوى والتجربة على منهج السلف الصالح ؟
هذا السؤال سيجيبنا عليه علي الحلبي بقوله في معرض رده على من وافقونا في الاعتقاد وخالفونا في المنهج كما في كتابه رؤية واقعية (22-23) : (( بينما هؤلاء جميعاً يتحاشون وصف أنفسهم بالسلفية ويتجنبون الانتماء إلى منهج السلف نسبة!! فضلاً عن الواقع والحقيقة .
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لنا ولله الحمد إذ من المعلوم عند دعاة الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ((أن شعار أهل البدع: هو ترك انتحال السلف)) لما فيه من فصل النزاع بين فهوم أهل العصر! حيث يُحَكِّم بعضهم عقله ويحكم آخر تجاربه ويحكم ثالث عواطفه !!
وهكذا من غير نظر في سبيل المؤمنين الذي يجب إتباعه والدعوة إليه، وهو ذاته نهج سلف الأمة الذي إليه ننتسب وبضيائه نهتدي.
لذا كان من ((شعار أهل السنة إتباعهم السلف الصالح وتركهم كل ما هو مبتدع ومحدث)) انتهى.
أليس منهج السلف الصالح في كل المسائل الشرعية أولى من حثالات عقولنا أليس ما أصلته أمراً حادثاً لا يعرف عن السلف فما فائدته إذن ؟
ستجيب يا حلبي على هذا بقولك كما في كتابك رؤية واقعية (19) ونقلته في كتابك منهج السلف الصالح (136) : (( هذه نبذة من فضل منهج السلف الصالح وتميزه عن غيره من المناهج الحادثة أو المنحرفة وأنه قائم على مطلق التسليم لأمر الله ورسوله دون النظر إلى مصلحة أو الالتفات إلى استحسان أو الارتكاز على عاطفة أو حماس أو رأي)) انتهى
إذن لا قيمة لرأيك
وإذا لم يقتنع الحلبي بكلام أهل العلم، فأنقل له كلاماً من كلامه القديم علَّه أن يقتنع حيث قال في تعليقه على تاريخ أهل الحديث للدهلوي (145) في الحاشية رقم1 ما نصه :" التوسع في إطلاق لقب (أهل السنة) على كل أحد لأي سبب؛ فهو خطأ محض.
إما مقصود: لتجميع الناس وتكتيلهم على لقب فضفاض ليس له مضمون دقيق!!
وإما غير مقصود: ناتجٌ عن عدم الإحاطة بالمنهج الواجب الصحيح في تحقيق الفهم الصحيح لمنهج أهل السنة والجماعة".
أقول : كفيتني المؤنة في ردك على نفسك بنفسك . فاعتبر.
الوقفة الرابعة: رد علي الحلبي على علي الحلبي:
قال علي الحلبي في كتابه رؤية واقعية في المناهج الدعوية (15) في معرض كلامه عن الدعاة الذين يوافقون اعتقاد السلف ويخالفون في منهج السلف :" صورة الافتراق تتبدى ظاهرة في المنهج والسبيل الذي يسير عليه أولئك الدعاة إلى الله لتحقق شأن العقيدة وهدفها.
وهذا مكمن الخلاف بين الدعوة السلفية وغيرها من الدعوات التي تتبنى العقيدة وتخالف في المنهج ...".
ثم قال في نفس الصفحة متحدثاً عن سبب تأليف كتابه رؤية واقعية :" وإنما هذا الكتاب أقمته رداً على من وافقنا في أصل العقيدة وخالفنا في المنهج الذي يجب سلوكه والسير على هداه".
ثم قال الحلبي في نفس الكتاب رؤية واقعية (20) بعد أن فرق بين العقيدة والمنهج : فبهذا ظهر ولله الحمد مجمل الفرق بين العقيدة والمنهج وأنه قائم على التسليم المطلق فلا أطيل.
ولكن ها هنا أمراً يجب بيانه وإيضاحه وهو أن استمرار الانحراف عن المنهج يؤدي إلى انحراف في العقيدة نفسها والتوحيد ذاته .
والناظر في بعض الجماعات الدعوية المعاصرة يرى دليل ذلك واضحاً" انتهى كلامه .
وهو ظاهر وواضح في رده على ما قرره في كتابه (منهج السلف).
وأعجب من ذلك وأظهر : أن الحلبي نقل هذا الكلام برمته في كتابه منهج السلف (131-137) الموضع الذي قرر فيه القاعدة السابقة، وكأنه ليس بينهما تناقض وتخالف .
ومن رد الحلبي على الحلبي :
قوله في كتابه منهج السلف (138) حاشية رقم (2) : حيث قال هداه الله للصواب : (وبعضهم يغير تلبيساً وتدليساً! فيقول : سلفية العقيدة؛ عصرية المواجهة) انتهى كلامه
أقول : والقاعدة الجديدة التي ذكرها الحلبي هنا يمكن اختصارها بـ: سلفية العقيدة، خلفية أو بدعية المنهج.
ومن رد الحلبي على الحلبي قوله في محاضرة بعنوان (أصول في المنهج) :"أنا أعتقد أن المنهج بالمعنى الدقيق الذي ذكرناه أهم من العقيدة؛ لأنك لا تتخيل صاحب منهج صحيح تكون عقيدته باطلة" انتهى.
ويقال أيضاً: لا يتخيل صاحب عقيدة صحيحة ومنهجه باطل ؟ !
ومن رد الحلبي على الحلبي تعليقه على قول لابن قيم الجوزية في الفوائد (43) في معرض كلامه عن أهمية التوحيد وأن منفعته عظيمة لصاحبه :" صاحب المحاسن الكثيرة والغامرة للسيئات ليسامح بما لا يسامح به من أتى مثل تلك السيئات، وليست له مثل تلك المحاسن "انتهى
فعلق الحلبي في الحاشية رقم (1) بقوله : والقاعدة في اعتبار ذلك سلامة المنهج ووضوح التصور وصفاء الاعتقاد" انتهى
قلت : ويلاحظ أن كلام ابن قيم الجوزية ليس في أهل البدع، وإنما في أصحاب السيئات والذنوب والله أعلم .
وعلق على قول ابن قيم الجوزية في الفوائد (64) :" لو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحاً لا فساد معه". انتهى
علق عليه الحلبي في الحاشية رقم (1) بقوله :" هذا هو المنهج الحق الذي نصرح به ونجتمع عليه ونتنادى إليه" انتهى
الوقفة الخامسة: وأنت يا الحلبي تهدم بهذه القاعدة كتابك (التصفية والتربية) ومما جاء فيه (90) :" يتلخص مما سبق وجوب تصفية الدعوة ومتعلقاتها، ويتركز في أمرين أساسيين :
الأول: تصفية الدعوة من المناهج الحادثة المخالفة لمنهج الأنبياء عامة ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
الثاني: تصفية الدعوة من بعض المفاهيم الخاطئة الغالطة المخالفة في أسها وحقيقتها للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة".
الوقفة السادسة : ثم هذه المخالفة للمنهج أليست هي لجزء يسير في نظرك، وكلنا يعلم قصة الرماة الذين خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فهزموا وأصيبوا في سبعين قتيلاً كما في صحيح البخاري .
ألست القائل يا حلبي في التصفية والتربية (125) :" التربية على أحكام الله سبحانه بعلم نافع وعمل صالح هي أساس النصر ومفتاحه.
وأن التخلي عن جزء منها قد يكون سبباً مباشراً من أسباب الهزيمة...".
ثم ما ضابط هذه المخالفة عندك ؟
لم تبينه وتوضحه بل جعلته مبهماً، والتطبيق العملي عندك يدل أنك لم تضع ضابطاً لقدر هذه المخالفة !!!
فموقفك مع الحويني وكلامك فيه المعروف يدل على عدم ضبط هذه المسألة عندك بوضوح.
وقد سئلت السؤال التالي: إنسان عقيدته تخالف منهجه ؟
فأجبت بقولك : ممكن هذا موجود هذا موجود يوجد الآن نحن نعرف بعض الناس يعني في العقيدة تراه في توحيد الألوهية في الأسماء والصفات في باب القدر في كل الأبواب لكن في باب الحكام يكفر الحكام في باب المنهج نراه حزبياً متعصباً ممكن تواطؤ موجود لكن أنا أقول كلمة أكررها دائماً أقول المنهج هو الإطار الحامي للعقيدة المنهج كالكأس الكأس النظيف إذا وضعت فيه الماء النظيف يحافظ عليه إذا كان الماء نظيفاً ووضع في كأس وسخ فإن هذه الأوساخ تتحلل وتفسد الماء النظيف هكذا حال المنهج والعقيدة سرعان ما يغلب أحدهما الآخر إما أن تغلب عقيدته الصحيحة منهجه فيصبح منهجه سلفياً أو أن يؤثر منهجه الخلفي على عقيدته فتصبح عقيدته مثل مذهبه مضطربة على أقل الأحوال".
أقول قال الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى عمن يُجَوِّز أن تكون عقيدة الشخص سلفية مع اختلاف منهجه كأن يكون إخواني :"كلام غير مفهوم، غير سليم كلام متناقض غير سليم"
وقال الشيخ ربيع عن هذا التفريق كما في التقوى وآثارها الطيبة عن أمثال هذا الكلام: " هذا كلام فارغ, ومن الهراء "
ثم قد نقلت كلام فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي بتصرف في كتابك التصفية والتربية (82) في معرض حديثك عن التصفية والتربية في الدعوة :" وأهم هذه اتجاهات ثلاثة :
الأول : يمثله جماعة أخذت بمنهج الرسل في عقيدتها ودعوتها وتمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وترسمت خطى السلف الصالح في عقيدتها وعبادتها ودعوتها.
وهذا هو الاتجاه الدعوي العلمي العملي الذي يجب أن يلتف حوله المسلمون ...
والثاني : يمثله جماعة اهتمت ببعض الأعمال من الإسلام، وتغلبت عليها نزعات صوفية هزت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من أتباعها.
وعليهم مؤاخذات في عقائدهم وعباداتهم.
والثالث : يمثله جماعة اهتمت بجوانب من الإسلام سياسية واقتصادية واجتماعية وقدمت الكثير ... ولكنهم وفقهم الله للسداد في الوقت الذي اهتموا فيه بهذه الجوانب قصروا في حق العقيدة تقصيراً واضحاً ...".
والسؤال هنا: من سلمت عقيدته وخالف في المنهج ليس من الاتجاه الأول مؤكداً : فمن أي الاتجاهين الثاني أو الثالث.
وعلى كل تقدير: فعندهم مؤاخذات وتقصير واضح في العقيدة بإقرارك.
فكيف تستقيم العقيدة والحال هذه !
الوقفة السابعة: (قوله فإن الشيء الأقوى فيه منهجاً أو عقيدة هو الذي سيسطر عليه، ويؤثر فيه بحيث لا يستمر كما يقال في حالة انعدام الوزن التي يعيشها.
فإما أن يؤثر منهجه على عقيدته فيؤول مبتدعاً مكشوفاً .
وإما أن تؤثر عقيدته على منهجه فيصبح سلفياً معروفاً ).
أقول : هذا الكلام مبناه على أن المنهج شيء منفصل عن العقيدة، وقد تقدم إبطال هذا القول .
ولكن : قد كفاني الحلبي مؤنة الرد فرد على نفسه بنفسه بقوله في كتابه رؤية واقعية كما سبق نقله بقوله (ولكن ها هنا أمراً يجب بيانه وإيضاحه وهو أن استمرار الانحراف عن المنهج يؤدي إلى انحراف في العقيدة نفسها والتوحيد ذاته) انتهى.
الوقفة الثامنة : قوله (وإن الأخيرة لأحب إلينا من الأولى ولذلك ندعو ونجد ونصبر ونتصبر)
أقول : كل مسلم يتمنى ذلك فضلاً عن العلماء وطلبة العلم السلفيين ولكن ليس إلى درجة يخالط فيها مع أهل البدع، ويدافع عنهم، ويثنى عليهم، ويلبس الحق بالباطل، ويضيع فيها الحق، ويخذل فيها أهل السنة، وتضيع فيها الأصول السلفية.
فحرصنا على هداية الناس، لا يعني أن نضيع ما بأيدينا من المستقيمين كما سيأتي مفصلاً بإذن الله تعالى في مسألة هجر المبتدع.
وسئل الشيخ أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله - في الفتاوى الجلية (2/141برقم 79) :
فضيلة الشيخ رجلٌ يزعم أنَّه سلفي، ولكنه يجالس الحزبيين، ونوصح في ذلك فقال إنَّني أقوم بتوجيههم، ونصيحتهم، فكيف نحكم على هذا الشخص؟
فقال رحمه الله : المناصحة ليس من لازمها أن تمشي معهم، والمناصحة في أوقات محدودة؛ أمَّا كونك تمشي معهم بحجة أنَّك تنصحهم، فلو كنت تنصحهم لرؤي في عملهم تغيير، واختلاف عما كانوا عليه، فإن قلت مثلاً أنَّك تنصحهم ولا يسمعون أو لا يقبلون منك؛ إذن فلِمَ تجلس معهم أو تسير معهم، وتذهب، وتجيء معهم، فإذا كانوا لا يسمعون منك لا تذهب، ولا تجيء معهم ولا تجلس معهم؛ لكن لما رأينا أنَّك تذهب وتجيء معهم، وتجالسهم عرفنا بأنَّك منهم".انتهى
ثم انظر: إلى حالك يا حلبي : أثنيت ودافعت عن رؤوس مبتدعة في هذا العصر، مثل المغراوي والمأربي والحويني وغيرهم من التكفيرين وتسميهم وتصفهم للأسف بأنهم دعاة إلى العقيدة الصحيحة، وأنهم الأصحاب، بل وخالفت قولك هنا فوصفتهم أيضاً بأنهم دعاة إلى منهج السلف كما في ص(24، 49، 189) نعم هو لم يصرح بأسمائهم وأبهمهم لكن اختلافه مع المشايخ السلفيين كان فيهم وعليهم، وجلساته المسجلة بصوته فيها الثناء عليهم والدفاع عنهم، وأنه يتقي الله في تبديعهم.
فقد سئلت السؤال التالي في أحد الجلسات :" ما رأيكم في المخالفين لمنهج أهل السنة كالحويني والمغراويوالمأربي وعرعور؟
وكان من جوابك :" أصولهم أصول عقائدية سنية سلفية، ولا أحد منهم يقول أنا لست بسلفي، أو أنا قطبي أو أنا حزبي ، أو أناتكفيري بل كلهم يتبرأ من ذلك، وإن كانت يعني على فترات وعلى درجات ، فأنا أخافالله واتقيه في أن أقول هؤلاء تكفيريون ، أو قطبيون ، أو حزبيون" انتهى
وهؤلاء رؤوس فتنة للشباب السلفيين وعلى الدعوة السلفية ولكن !!!
فأنت هنا حكمت هواك وتجربتك وعاطفتك، وهذا عين ما رفضته في كتابك رؤية واقعية (22) كما سبق نقله.
ويكفي في هذا المقام قول الشيخ ربيع المدخلي كما في (الموقف الصحيح من أهل البدع) :"نحن نحذر الشباب السلفي من مخالطة هؤلاء، والاستئناس بهم،والركون إليهم، فليعتبروا بمن سلف ممن كان يغتر بنفسه ويرى نفسه أنه سيهدي أهل الضلال، ويردهم عن زيغهم وضلالهم؛ وإذا به يترنح ويتخبط ثم يصرع في أحضان أهل البدع ...
فترى هذا سائر في الميدان السلفي والمضمارالسلفي ما شاء الله ما تحس إلا وقد استدار المسكين، فإذا به حرب على أهل السنة، وأصبح المنكر عنده معروفاً، والمعروف عنده منكراً، وهذه هي الضلالة كل الضلالة،فنحن نحذر الشباب السلفي من الاغترار بأهل البدع والركون إليهم
.
فأنصح الشباب السلفي: أولاً: أن يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس الخير وآثاره الطيبة،فقال:"مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة" - يعني أنت رابح ومستفيد منه على كل حال من الأحوال، لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير،وكلها نفع كما هو مثل المؤمن - والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإماأن لا تسلم من دخانه؛فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً.
فإذا كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم ومخالطتهم؟
ما دليلك على الجواز!
الرسول صلى الله عليه وسلم حَذَّر !
الرسول صلى الله عليه وسلم أنذر !
الرسول صلى الله عليه وسلم بَيَّن الخطر !
فما هو عذرك، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا،ونفذوا توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة،فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك الخير،ويخافون عليك من الوقوع في الشر"انتهى
وفي ختام هذه المناقشة أوجه أسئلة لكل قارئ منصف يحرص على دينه ومنهج السلف الصالح، يجيب بها نفسه؛ ليدرك خطر وعدم صحة هذه القاعدة:
هل علي الحلبي أفهم لدين الله من سلفنا الصالح وعلماء الأمة ؟
هل علي الحلبي أحرص من السلف على هداية الناس ؟
هل علي الحلبي يستطيع أن يقول : أنا أضمن عدم انحراف الناس بمخالطة أصحاب المناهج الفاسدة ؟
وأخيراً فهذا مثال لقاعدة باطلة قعدها علي الحلبي؛ ليبرر مسلكه الخطير في التعامل مع أهل البدع الذين يخالفون منهج السلف الصالح، وليدخل فئام من أهل البدع والأهواء في أهل السنة وأهل الحق، ولا يحصل التمييز بين أهل الحق المتمسكين بمذهب السلف الصالح، وبين أهل الباطل الذين تتجارى بهم الأهواء.
اسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبصر علي الحلبي بالحق، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يسلك الجادة في الدعوة إلى الله.
واسأله سبحانه أن يحفظنا جميعاً من كل سوء ومكروه، وأن يثبتنا على الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح عقيدة ومنهجاً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
محبكم
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
في 23 / 1 / 1430هـ
(حامداً لله وشاكراً )
(ومصلياً ومسلماً)
على نبينا محمد