الأجوبة المكية على الأسئلة المنهجية الليبية
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه مجموعة من الأسئلة المنهجية، قام بطرحها عليَّ أخونا أبو ذر بن علي الليبي عندما تشرفت بزيارته لي في منزلي بمكة الثلاثاء بتاريخ 2/جمادى الآخرة /1430هـ ، فأجبته عليها بما يسره الله لي، فقام بتسجيلها ثم تفريغها وأراد أن ينشرها؛ لتعم بها الفائدة؛ فجزاه الله خيراً على هذا العمل الذي اسأل الله أن يكتب لي وله وللمسلمين فيه الأجر والثواب ويرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل، ومتابعة سنة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
السؤال الأول:
هل يشترط نصح المخالف قبل التحذير منه, لأن بعض الناس إذا حذرته من شخص بغض النظر عن نوع التحذير يقول لك هل نصحته , و فلان هذا ينشر أفكار سيئة قد تجعلك تستعجل بالتحذير ؟
الشيخ :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد
فإن الشخص إذا أخطأ ولم ينتشر الخطأ فإنه مما يستحسن أن ينصح في السر ويوجه للخير لعله يتوب ويرجع بنفسه, فإن نصح في السر ولم يرجع عن خطئه فلينكر عليه علانية ويبين خطأه ومخالفته للحق , أما إذا كان خطؤه قد انتشر بين الناس فإنه يرد علانية وإن أمكنه أن يناصحه سراً فله ذلك
أما القول بأنه يجب أن يناصحه سراً قبل أن يناصحه علانية فهذا القول خلاف منهج السلف فإننا لو نظرنا إلى منهج السلف حين يبلغهم خطأ من أخطأ فإنهم مباشرة ينكرون الخطأ ويردونه ولا يقولون ننتظر حتى ننصحه سرا أو يقولوا هل نصحتموه قبل أن تسألوا لم يرد عن السلف مثل هذا إنما الوارد عنهم جزاهم الله خيرا وفعلهم الحق أنهم ينكرون الخطأ مباشرة والله أعلم .
السؤال الثاني :
هل هناك مدة معينة يصبر فيها على المخالف أم الأمر حسب المصلحة فأحيانا يُصبر و أحيانا لا و أحيانا يطيل الصبر و أحيانا يقلل ؟
الشيخ :
بسم الله
الأصل أن المخالف للحق إذا عاند؛ فعلى منهج السلف أنه يحذر منه وقد يصل إلى التبديع على حسب مخالفته ولكن هذا أيضا يرجع إلى العالم الناصح ويرجع إلى نظره في كونه يأمل أن يرجع هذا المخالف خاصة إذا لا زالت بعض الشبهات أو بعض التأويلات الفاسدة التي وقع فيها ولم يتبين له الحق فإنه قد ينتظر عليه مدة من الزمان حسب ما يرى من المناصحة تطول أو تقصر على حسب القرائن , وهذه كما هو ظاهر مرجعها إلى العلماء الذين ينظرون إلى قضية المنصوح وإلى قضية المجتمع المسلم ومدى ارتباط الأمرين معا, فقد يصبر العلماء على بعض المنصوحين أملاً في عدم التفرقة وأملاً في عدم إحداث البلبلة خاصة إذا كان المنصوح يظهر التراجع ويظهر حب الخير ويظهر أنه يريد الحق , فهنا قد يصبر العلماء مدة, إلى أن يصل المنصوح إلى درجة تظهر فيها معاندته ومخالفته للحق فإنهم يحذرون منه وقد يبدعونه إذا أصر على موقفه .
السؤال الثالث :
هل العناد قادح يسقط الشخص حتى إذا كان الأمر ليس له علاقة بالعقيدة والأصول إذا تبين العناد بالقرائن ؟
الشيخ :
السلف رضوان الله عليهم ما كانوا يفرقون في مسائل العلم بين قضية عقدية وبين قضية فقهية فرعية إذا ظهر من المخالف العناد والإصرار على الباطل, ولا أدل على هذا من قوله عز وجل -( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )- [النور/63] فمجرد مخالفة أمر من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم قد تؤدي بالإنسان إلى أن يصاب بالفتنة في دينه -( أو يصيبهم عذاب أليم )- [النور/63] قال الإمام أحمد ( هل تدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ) يعني لا يزال ينحرف عن الحق إلى أن يخشى عليه أن ينحرف عن الإسلام فالمعاند إذا ظهرت منه المخالفة والإصرار على مخالفة للحق؛ فإنه يقدح فيه ويطعن فيه وقد يهجر, وهذا ما تبث عن جماعة من السلف لما كهجر عبد الله بن المغفل رضي الله عنه ابنه في قضية الرمي بالحصى خذفا وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم , هجروا أبنائهم لمجرد مخالفة الحديث لا لمعاندة فقط مجرد مخالفة هجروهم ولم يكلموهم نصرة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فما بالنا بإنسان يعاند الحق ويظهر المعاندة و يصر عليها لا شك أن مثل هذا يحذر منه ولو لم تكن في مسائل العقيدة؛ لأن النظرة إلى موقفه من مسائل الدين وكيفية تعامله معها.
السؤال الرابع :
بعض الناس يكثر من نصح شخص ويستمر معه لفترات طويلة ويكرر التردد عليه وكأن الله خصصه لهذا الشخص فقط فهل هذا من عمل السلف , وبعض هؤلاء نجدهم يتأثرون بهذا الشخص ؟
الشيخ : يتأثرون بالناصح ؟
السائل : بالمنصوح
الشيخ : نعم , النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ببيان الحق لهم وتحذيرهم من الشر فالإنسان إذا نصح شخصا ورجا خيره ورجا رجوعه للحق فلا مانع من الاستمرار في النصيحة لكن إن ظهرت علامات تدل على عدم رغبة المنصوح في النصيحة أو ظهرت علامات على إصراره على معاندة الحق فمثل هذا لا ينبغي الإصرار أو الاستمرار في النصيحة حتى لا يغتر الناس بالمنصوح ويظنون أنه على خير بل إذا شعر الناصح أن المنصوح يصر على باطله أو أنه يتلاعب ويراوغ عن قبول الحق وأن الناس قد يظنون بالمنصوح خيرا يجب عليه و الحالة هذه أن يحذر الناس منه حتى لا يقعوا في حبائله , وأيضا ليراجع كل واحد منا قصده وإخلاصه في هذه النصيحة هل هي خالصة لله ونصر لدين الله عز وجل أم هي لمصالح شخصية أو لمآرب نفسية أو لأجل فلان وعلان من الناس له مكانة في القلب ؟ إن كانت النصيحة لله فإذا بذلها ولم يجد عند المنصوح لها قبولا فإنه يهجره أو يحذر منه أو يبين حاله للناس ولا يسكت عن باطله , أما إذا كانت النصيحة لمآرب أخرى فلا شك أن الإنسان يقع في مخالفات النصيحة نفسها والله أعلم.
السؤال الخامس :
إذا كان الشخص لا يدعي السلفية ولا يزكي نفسه بالانتساب لمنهج السلف وهو يلقي دروس ومحاضرات وفتاوى فهل مثل هؤلاء نحتاج إلى أن نبين أخطاءهم أم نكتفي بالتحذير منهم بعدم انتسابهم لمنهج السلف لأن بعضهم إذا حذرته من أمثال عمرو خالد وعمر عبدالكافي وهؤلاء يقول أريد كلام العلماء فيهم , فنحن أحيانا نجيبهم بأن العلماء لا يتفرغون لكل من هب ودب ولكن يكفي أنهم لا يزكون أنفسهم بالانتساب لمنهج السلف , فهل هذا صحيح ؟
الشيخ :
بسم الله
الشخص الذي لا ينتسب للسلفية أو لا يظهر الانتساب للسلفية لا يخلو من أمرين
إما أن يكون منهجه أقواله و أفعاله مبنية على منهج السلف وعلى فهم القرآن و السنة على منهج السلف وعلى أفعالهم فهذا منهجه يحكم عليه بأنه سلفي و إن لم يصرح بالسلفية , لكن إن هو أنكر التسمية بها يبين له ويعلم وينقل له كلام العلماء خاصة كلام الإمام الألباني رحمه الله في تقعيد هذه المسألة والانتساب للسلفية وأيضا ينقل له كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يحب الانتساب و الاعتزاء بمنهج السلف
أما إن كان هذا الشخص لا ينتمي للسلفية و أفعاله أيضا تخالف منهج السلف و ربما لو قيل له هل أنت سلفي ؟ أنكر ذلك و لا يرضى بيان من بين الحق من أهل العلم في بعض الأشخاص كعمرو خالد أو غيره فهذا دليل على أن الرجل عنده مسلك آخر لكنه لا يصرح بمعاداة السلفية إما خوفا أن يطعن فيه و إما مكرا ودهاء لكي يجمع حوله الشباب ليربيهم على منهجه المخالف لمنهج السلف في صورة أنه إنسان داعية إلى الله , فليحذر من مثل هذا الأمر لأن هذه من دسائس الإخوان ومن دسائس أهل البدع , بعض أهل البدع عندهم أسلوب ماكر وهو أنهم يعرفون أنهم لو أظهروا محاربة السلفية أو لو اظهروا ما عندهم من مخالفة لمنهج السلف ؛ لطعن فيهم أهل العلم ولانفضَّ الشباب السلفي من حولهم ولكنهم يظهرون للشباب العلم والموعظة والاهتمام بالدروس العلمية العامة لكي يلتف حولهم الشباب ثم يربونهم على مثل هذا المنهج :
السكوت عن المخالفين
عدم الإنكار على من خالف منهج السلف الصالح
عدم التسمي بمنهج السلف الصالح
عدم !عدم ! عدم ! إلى أن يصبح السلفي عدما أو يصبح مخالفا لمنهج السلف مع أنه كان يطلب منهج السلف !
فأقول إذا كان هذا الشخص من الصنف الثاني فمثل هذا لا كرامة له ولا قيمة له بل يحذر منه ويبين خطؤه للناس ويبين أنه على حال قد يكون أخطر من غيره ممن يصرح, فمن صرح بمخالفته لمنهج السلف و إن كان خطيرا إلا أن الشباب يحذرونه , أما من لم يصرح فإن الشباب قد يفتتنون به ويلتفون حوله ثم يتأثرون به والله اعلم .
السؤال السادس :
هل يكون الهجر أحيانا للشخص حال ارتكابه المعصية فقط وليس دائما ؟
الشيخ :
إذا كان الهجر أو الإنكار بالقلب قد يكون بعد الإنكار بِاللِّسَان ثم لم يستجب فإنه ينكر بقلبه فإنه إذا كان العاصي لازال على المنكر فإنه يجب على المنكِر أن يهجره وقت المعصية أما بعد فراغه من المعصية فله أن يخالطه و يناصحه ويستمر في نصيحته إذا شعر و أحس أنه إذا نُوصِح استفاد من هذه النصيحة , وإن كان الناصح يشعر أن المنصوح إذا هجر منه ولم يكلمه استفاد من هذا الأمر وشعر بذنبه فإنه يهجره حتى بعد المعصية إذا كان صاحب المعصية معاندا مصرا على معصيته فإنه له أن يهجره بعد المعصية إذا كان يتأثر بهذه النصيحة , وهذا عند العلماء يسمى هجر التأديب .
ولاحظوا أننا نتكلم على قضية هجر أصحاب المعاصي وهذا غير هجر أصحاب البدع
فإن كان صاحب المعصية معاندا مصرا على معصيته والناصح لا يؤثر عليه لا في الهجر ولا في عدمه وكان الناصح يخشى على نفسه من مخالطة هذا العاصي فله أن يهجره هجر وقاية يقي نفسه من شر ذلك الرجل ومعصيته فيبتعد عنه وإن استمر في نصيحته رجاء استجابته فلا مانع من ذلك .
السؤال السابع :
هذا السؤال عن مشكلة حدثت بين الشباب وإن كان كثيراً من الشباب من الطرفين طيبون ويريدون أن يعرفوا الحق فنحتاج لبيان الحق فيها ليظهر وترجع الألفة بين الشباب
وهو عن شخص خطيب جمعة وهو جاهل ويخلط الأمور وطعن في بعض العلماء فبعض الشباب كانوا يحذرون منه ويقولون هذا جاهل ويطعن في العلماء , فانبرى لهم بعض الشباب واخذوا يقولون هذا عامي فيه خير يعني ليس طالب علم حتى نبدعه أو نحذر منه وما ينبغي التحذير منه ووصفوا الشباب الذين يحذرون منه بأنهم متشددون, مما تسبب في تفرق الشباب فصار همّ هؤلاء الدفاع عن هذا الخطيب و كأنه صحابي من يتكلم فيه يسقط ويكون متشدد مع أنه أحسن ما يقال فيه أنه جاهل ! ؟
الشيخ :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا السؤال عجيب وغريب ويدل على مدى الضعف العلمي عند هؤلاء الشباب
أولا : السؤال -كما يقال- فيه الجواب , فإذا كنا نتفق جميعا أن هذا الخطيب جاهل , فمثله لا يؤخذ منه العلم ومثله لا يرجع إليه إنما يتكلم في المواعظ التي يحسنها فقط وفي بعض الأحكام التي تعلمها فقط , فإذا كان مع جهله يطعن في العلماء فلا شك أنه أضاف إلى جهله جهلا آخر مركبا بل شراً أن يطعن في العلماء فإن من علامات أهل البدع الطعن في العلماء , فمثل هذا الرجل إذا طعن في العلماء ونُبه إلى ذلك وأصر فإنه يهجر بل على طريقة السلف قد يبدع ولا يجلس إليه ولا يسمع لقوله فضلاً على أن يختلف الشباب السلفي فيه.
هذا خطأ ولا شك فمثل هذا الرجل يجب أن تتحد كلمتكم على أنه غير صالح للدعوة بل وأنه على شر خطير لأنه إذا طعن في العلماء فالطعن في العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لا شك أنه يدل دلالة واضحة على انحراف خطير عند هذا الرجل , هذه القضية الثانية
القضية الثالثة أن الشباب السلفي حينما يقولون هذا عامي فيه خير !
نقول لهم : إذا كان الإنسان عنده علم وطعن في العلماء فإننا نحذر منه فمن باب أولى إذا كان جاهلاً وطعن في العلماء أن يحذر منه بعد نصيحته .
القضية الأخيرة التي أريد أن أنبه عليها هي أننا نجد الشباب السلفي - للأسف الشديد - لا يرجع للعلماء ويأخذ بقولهم إنما تجد الواحد منهم إذا انتسب إلى السلفية أعمل فكره واجتهاده واجتهد ورأى أن هذا يصلح أو أن هذا لا يصلح !
مثل هذه القضية : نقول له : هل هذا الكلام الذي أنت تقوله فلان خطيب عامي فيه خير هل هذا تقوله عن علم ودراية أم مجرد اجتهاد من تلقاء نفسك ؟
إن كان عن علم ودراية فأظهر لنا الدليل ولا دليل !
وإن كان اجتهادا من تلقاء نفسك فإنه يجب أن تعلم أنك قد أخطأت فإن الواجب في مثل هذه الحال أن ترجع إلى العلماء وتسألهم وتقول لهم خطيب جاهل يطعن في العلماء ما الموقف منه ؟
فلا شك أن كلمة العلماء تقول لك يجب أن تحذره وتحذر منه بعد أن تنصحه إن أمكنك فإن لم تمكنك نصيحته فحذر منه ولا كرامة لمثل هذا الرجل .
فأقول خلاصة للكلام أنه يجب على الشباب السلفي أن يتقي الله عز وجل في المنهج وأن لا يُعمل رأيه وفكره وآراءه وعقله في مسائل المنهج, يحسن هذا ويستقبح هذا, كما رأينا فيما سبق من سؤال أن بعضهم يقول يجب أن تنصحه قبل أن تنكر عليه علانية !! من قال لك هذا؟! ما الدليل على هذا ؟! هل قال بهذا السلف ؟ هل قال بهذا العلماء ؟
فلذلك يجب أن نتقي الله عز وجل في منهج السلف الصالح وفي مسائل العلم .
السائل :
على فرض يا شيخ أن هؤلاء الشباب بالغوا قليلا , هل هذا يجعلنا نختلف في شخص عامي ونتفرق من أجله ؟
الشيخ :
نقول إذا تبث أن بعض الشباب السلفي قد تشدد في الإنكار على هذا الخطيب العامي الذي طعن في العلماء فنقول للطرف الآخر الذين أنكر على هؤلاء الشباب السلفي نقول لهم أنتم ترفقتم مع هذا الجاهل الذي يطعن في العلماء فلماذا لا تترفقون مع إخوانكم السلفيين الذين ربما قد اشتد قولهم وحكمهم على الرجل ؟! ترفقوا بهم وانصحوهم ودلوهم على الخير, فهؤلاء الشباب السلفي بالترفق أولى من ذاك الخطيب الجاهل العامي الطاعن في العلماء.
السؤال الثامن :
بما تنصحون الشباب الذين يتأثرون بالدعايات ولا يعتمدون في اعتقاداتهم ومواقفهم على الكتاب والسنة ومنهج السلف فتجد مواقفهم إما ردود أفعال و إما دعايات غير منضبطة بالعلم , فمثلا عندنا أشخاص هربوا من الحدادية فوقعوا في التمييع وآخرون هربوا من التمييع فوقعوا في الحدادية وآخرون يرددون الحكمة و الرفق ولا يضعونها في مواضعها ويتضح من تصرفاتهم أنهم لا يحبون الشدة و الهجر وهذه السنن السلفية حتى لو وضعت في مكانها مع الرفق واللين والسماحة اللذين هما الأصل .
الشيخ :
الشباب السلفي عليه عدة أمور :
1- الأمر الأول : أن تسأل الله عز وجل أن يثبتك على الحق وأن يدلك عليه وأن يوفقك إليه فلا تظن أيها الشاب السلفي أنك بمجرد انتمائك للسلفية أنك على الحق فهناك شياطين من الإنس وشياطين من الجن وهناك دعاة على أبواب جهنم يدعونك لتكون معهم ويظهرون لك أنهم هم السلفيون ويظهرون لك أن الحق معهم فلا تغتر بنفسك وأنك سلفي ثم تمشي على رأيك لا , سلِ الله عز وجل أن يثبتك على الحق وأن يدلك على الحق وأن يوفقك إليه .
2- الأمر الثاني : أن يعتصم بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ويعتقد أن الحق فيهم ولا يخرج عن منهج السلف الصالح أبداً .
3- الأمر الثالث : على الشاب السلفي أن يلتف ويرجع إلى العلماء الكبار السلفيين المعروفين بسلفيتهم ومنهجهم الصحيح ومنهجهم الناصح الأمين يلتف حول هؤلاء العلماء ويرجع إليهم ويسألهم في القضايا والنوازل والأمور التي تحل به خاصة إذا أشكلت عليه ووقع فيها الخلاف.
4- الأمر الرابع : لا يجوز للشاب السلفي أن يعمل فكره واجتهاده في مثل هذه القضايا التي يقع فيها الاختلاف؛ لأنه إذا لم يكن عنده علم يحصن به نفسه فإن عقله وفكره لا يقوده إلى الحق إلا أن يشاء الله فإذاً النصيحة الثالثة إذا اشتبكت الأمور لا تجتهد رأيك بل ارجع للحق للكتاب والسنة وفهم السلف الصالح وارجع لمن يبينها لك وهم العلماء ورثة الأنبياء .
5- الأمر الخامس : إياك إياك والدعايات الفارغة وإياك إياك من أولئك الذين يطعنون في العلماء السلفيين ويقولون الحق معنا الحق معنا فلا تغتر بأمثال هؤلاء فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية فلا تفارق الجماعة الحق ولا تستوحش وإن قل السالكون إياك أن تنخدع ببعض الشعارات البراقة وبعض العبارات الرنانة وبعض الكلمات الطنانة فتنجر إما إلى تمييع للحق أو تنجر إلى غلو في الباطل فاحذر من هذين المزلقين المنحرفين عن منهج السلف الصالح.
6- الأمر السادس : إذا حصلت الفتن والاختلافات بين الشباب إياك إياك أيها الشاب السلفي أن تنخرط في الكلام والمجادلة والمخاصمة في هذه المجادلات, بل قف وانتظر رأي العلماء الكبار, قف واسأل ما قول العلماء الكبار , قف واسأل الله عز وجل أن ينجيك من الفتن , لأننا نرى كثيراً من الشباب حينما تحصل مشكلة ينخرط ويدافع عن جهة معينة ويصر ويعاند ويسب ويتشدد ويغلو ووو إلخ ! إلى أن ينزلق في هاوية الحزبية أو هاوية الضلال أو الانحراف عن منهج السلف ولو جئت فسألته ماذا تريد ؟ هل تريد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتريد الحق أم تريد مجرد الهوى ونصرة فلان وعلان ؟ ! فإن أردت الحق فالحق معروف في الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح والذي يسير عليه العلماء الكبار, فكن معهم ولا تتقدم عليهم , و إن أردت فلان وعلان فإنك ستوكل إليهم وتوكل إلى نفسك فاحذر من هذا المسلك وهو مسلك خطير وهو من الأسباب الخطيرة التي تؤدي بالشباب السلفي إلى الانحراف , إذا وقعت مشكلة مباشرة لا ينتظر رأي العلماء الكبار ! ولا يرجع إليهم يسألهم ! ولا يتمهل ! فقد تقع مشكلة وفتنة نجد أن العلماء الكبار يصبرون وينظرون ويأتيك هذا الحَدَث ويتكلم وكأنه ابن تيمية زمانه ! يضلل هذا ويبدع هذا ويصوب هذا ويرجح هذا ! ولا شك أن هذا خطأ فإن من سنن السلف ومن آدابهم أن الشاب الحدث إذا كان في حضرة العلماء وفي بلادهم أو بوجودهم أن لا يتقدم عليهم إنما ينتظر رأيهم وقولهم يكن معهم فإن الحق إن شاء الله لا يعدوهم بإذن الله عز وجل .
هذه بعض النصائح وبعض التوجيهات التي أرجو إن شاء الله عز وجل إن استقام عليها الشباب السلفي فإنه بإذن الله ينجو من كثير من الفتن و المهالك والله أعلم.
السؤال التاسع :
هل قاعدة الحاجات تقوم مقام الضرورات صحيحة ؟ وما ضابط الحاجة ؟
الشيخ :
العلماء قسموا ما يحتاجه الإنسان إلى ثلاثة أقسام :
1-ضروريات و 2- حاجيات و 3- تحسينيات
الضروريات: هي الأمور التي لا تقوم حياة الإنسان إلا بها و التي إذا فقدها فإنه يتعرض للهلاك
والحاجيات : هي الأمور التي لو فقدها الإنسان أو لم تحصل له فإنه يحصل له نوع من المشقة والتعب والجهد.
و أما التحسينيات : فهي الأمور التي من باب الكماليات ومن باب الترفيه.
وقد ذكر العلماء أن التحسينيات قد تصبح لبعض الناس في مرتبة الحاجيات , كما أن الحاجيات قد تصل بالنسبة لبعض الناس إلى منزلة الضروريات , وهذه من مسائل الفقه الإسلامي العامة التي بنى عليها العلماء مقاصد الشريعة الإسلامية وهي من تحرير العلماء الكبار وليس لآحاد الناس أن يقول هذا من الضروريات أو هذا من الحاجيات أو هذا بلغ مبلغ الضروريات و إنما هذا يقدره العلماء لأنها من مسائل الاجتهاد التي مرجعها لأولي العلم .
السؤال العاشر :
كيف نضبط ونوفق بين رد العلماء لقاعدة ( الغاية تبرر الوسيلة ) وبين فتاوى بعض العلماء التي تجيز ارتكاب بعض المحرمات للمصلحة كمسايرة الناس في بعض البدع وحضور أماكن المحرمات وتقصير أو حلق اللحية لأجل الدعوة ومثل هذه الفتاوى ؟
الشيخ :
قولهم الغاية تبرر الوسيلة هذه مما ابتليت به بعض الفرق الإسلامية كالإخوان المسلمين وغيرهم الذين يُعملون هذه القاعدة في عباد الله فيظلمونهم ويتعدون على أعراضهم ودمائهم وعلى حقوقهم بحجة الغاية تبرر الوسيلة , بل ويحرفون في دين الله بهذه القاعدة وهي قاعدة أخذت من أهل الكفر , الإسلام راعى الغايات وراعى الوسائل , فإن كانت الغاية شريفة وإن كانت الوسيلة إليها بحق أو مباحة فالإسلام لا ينكرها , أما إذا كانت الغاية شريفة والوسيلة إليها فيها ظلم أو فيها تعدي على حق الغير , أو فيها ارتكاب معاصي أو فجور أو الوقوع في حرمات الله عز وجل فإنه لا يوجد عالم يبيح هذه الوسائل المحرمة لارتكاب غايات مشروعة
والحمد لله لا يوجد عندنا في الشريعة الإسلامية غاية مشروعة وسيلتها محرمة بحمد الله إلا ما ذكره ابن القيم من النذر فإن النذر وسيلته مكروهة لا محرمة
أما قول بعض أهل العلم وفتاواهم ليس من باب الغاية تبرر الوسيلة كما زعم هذا القائل وقاس هذا القياس الفاسد إنما هو من باب ارتكاب أخف الضررين , ومن باب قد تصل إلى مرحلة الضرورة إذا الإنسان خشي على نفسه من الضرر المحقق فله أن يرتكب بعض المحرمات من باب الضرورة والضرورة تقدر بقدرها , مع ارتكابهم لهذه المحرمات أو تجويزهم لهذه الضرورة فعلى سبيل المثال : أكل الميتة فأكل الميتة حرام لكن لو أن إنسان خشي على نفسه الهلاك فإن له أن يأكل من الميتة , وكذلك إنسان قد وقفت اللقمة في حلقه وبجواره خمر فإنه يشرب من الخمر بقدر ما يزيل هذه الغصة, فهنا من باب الضروريات لا من باب الغاية تبرر الوسيلة والله أعلم .
السؤال الحادي عشر :
نريد أن نضبط أن مسألة أن الشخص إذا كان عالما فلا يبدع هل هي مشروطة بأن يكون عالما مع أن العلم يعني أن الحجة قامت عليه بخلاف الجاهل , أم أنها مشروطة بأن يعرف صدق هذا العالم و إرادته للحق ؟
الشيخ :
مسألة تبديع الشخص الذي وقع في البدعة إذا ظهر له الحق وخالفه وأصر على مخالفته فإن أهل العلم بعد النصيحة له يبدعونه, هذه صورة
الصورة الثانية الرجل من أهل السنة الذي وقع في بدعة فإنه إن كان ميتاً فإنه يبين أن هذا القول الذي قاله باطل ولكن الرجل من أهل السنة و أخطأ في هذه المسألة لكن لا يبدع
أما إن كان حيا فإنه يُناصَح ويبين له خطؤه و إذا كان سلفيا فإنه يرجع إلى الحق بإذن الله عز وجل
وقول من يقول ( أن العالم لا يبدع ) هذا خطأ , فإنا إذا نظرنا إلى السلف فإنهم قد بدَّعوا كثيراً ممن ينتسب للعلم بل ممن كان مبرزا في عصره , فإنهم قد بدَّعوا جماعة ممن عرفوا بالعلم إذا وقعوا في البدع بعد مناصحتهم , فهؤلاء الذين يقولون أن العالم لا يبدع لا شك أنهم أتوا بمنهج جديد , نقول لهم ما الدليل على هذا من منهج السلف ؟ بل منهج السلف على خلاف قولكم والله أعلم .
السؤال الثاني عشر :
الحكم على الشخص بأنه مبتدع أو مخالف للمنهج السلفي هل يشترط فيه فتوى عالم فيه بعينه أم هو لكل من علم بالحجة والدليل أنه وقع في بدعة أو مخالفة وبين له ونُصح فأصر وعاند ؟
الشيخ :
الشخص الذي وقع في بدعة ونُصح وأصر وعاند فهذا الشخص يحكم عليه بالبدعة إما العلماء بأن يُسألوا عن حاله ويكفي سؤال عالم واحد ليس شرطاً العدد يكفي سؤال عالم واحد عن حاله وعن ما وقع فيه فإذا بَدَّعه بُدِّع , وأيضا إذا كان هناك طالب علم جيد متمكن شهد له العلماء بالتمكن في العلم الشرعي وعنده الأهلية على بيان الحق وعلى رد الباطل وعلى الحكم على هذا الشخص فإن مثله يعتبر عند أهل العلم ويعتبر بقوله فليس شرطا أن يبدع المبتدع عالم كبير بل إذا كان طالب علم متمكن مشهود له بالعلم والمعرفة وعنده القدرة والأهلية على ذلك فإنه يجب أن يقبل حكمه وقوله بالحق والله أعلم
مع التنبيه إلى أن طلاب العلم المبتدئين أو المتوسطين أو الذين لا توجد عندهم أهلية الحكم على الأشخاص هؤلاء لا يجوز لهم أن يحكموا على هؤلاء بل يجب أن يرجعوا إلى العلماء أو إلى طلاب العلم المتمكنين ليبينوا لهم الحق .
السائل :
إذا كان بعض البلاد ليس فيها علماء لكن فيها بعض الشباب الذين يتابعون العلماء وعندهم دراية بالبدع فما الحكم في مثل هذه الحال ؟
الشيخ :
إذا كان في بلد فيه شباب من طلاب العلم ربما ما بلغوا الدرجة العالية من العلم لكن لا يوجد في هذه البلد علماء فالجواب كما يلي :
أولا ينظر لحال هذا الرجل الذي وقع في هذه الأمور , إن كانت بدعته ظاهرة وبلغ بأقوال العلماء وفتاواهم وظهرت منه المراوغة وأمره واضح جلي , فله إذا كان عنده شيء من العلم وشيء من القدرة على ذلك فله أن يبدعه , و إذا كان أمره محتمل وفيه نوع من الخفاء فإنه وإن لم يوجد العلماء في بلادهم فإنه يجب أن يتصل على العلماء في البلاد الأخرى ويسألوهم عن حال هذا الرجل فيتصلون على شيخ من المشائخ ويقولون له عندنا رجل يقول كذا ويعمل كذا ونصحناه بكذا فقال كذا فما حكمه وما موقفنا منه ؟ فيبين له العالم الموقف من أمثاله و الله أعلم.
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين .