وجوب بر الوالدين وتحريم عقوقهما في ضوء السنة النبوية المطهرة
لفضيلة أ د الشيخ أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله
الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد
لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من
يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق
الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد
فقد جاءت
أحاديث كثيرة متواترة تواتراً معنوياً عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجوب بر
الوالدين والإحسان إليهما ، وتحريم أذيتهما فضلاً عن عقوقهما قال النووي :
أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْأَمْر بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ , وَأَنَّ عُقُوقهمَا
حَرَام مِنْ الْكَبَائِر انتهى .
ومع كثرة هذه
الأحاديث وتتابعها إلا أننا نجد كثيراً من المسلمين هداهم الله للصواب لا يحسنون
بر آبائهم وأمهاتهم بل وللأسف الشديد وما يندى له جبين العاقل الرشيد يؤذون آباءهم
وأمهاتهم ويعقونهم فلا هم أحسنوا إليهم ولا هم كفوا شرهم عنهم ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم .
وسنقف إن شاء
الله تعالى على بعض ما جاء في السنة النبوية مما يتعلق بوجوب برهما وتحريم عقوقهما
.
فأقول
مستعيناً بالله تعالى :
قد بين الله
سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين والإحسان إليهما حيث قال تبارك وتعالى]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا
قَوْلاً كَرِيماً(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[ (الإسراء:24)
قال الشيخ
السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (456) : ذكر الله بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال
]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[ أي أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان ،القولي والفعلي ؛لأنهما سبب
وجود العبد ،ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب
البر ،]إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاهُمَا[ أي إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف
والإحسان ما هو معروف ]فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ[ وهذا أدنى مراتب الأذى
نبه به على ما سواه والمعنى : لا تؤذهما أدنى أذية ]وَلا تَنْهَرْهُمَا[ أي تزجرهما وتتكلم لهما كلاماً خشناً ]وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً
كَرِيماً[ بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به
نفوسهما وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان ]وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ[ أي تواضع لهما ذلاً لهما ورحمة واحتساباً للأجر لا لأجل الخوف
منهما أو الرجاء لمالهما ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد ]وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[ أي ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتاً جزاء على تربيتهما إياك
صغيراً وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق. انتهى .
وقال تعالى ]وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى
إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ
أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ
إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ (الأحقاف:15)
قال الشيخ
السعدي في تفسيره (781) : هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد
وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة
وغير ذلك من وجوه الإحسان ،ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم
من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة
الرضاع وخدمة الحضانة وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين وإنما ذلك مدة
طويلة قدرها ثلاثون شهراً : للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا الغالب
انتهى.
وقد بينت
السنة النبوية أهمية بر الوالدين من وجوه شتى فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن
طاعة الله من طاعة الوالدين وأن رضا الرب من رضا الوالدين كما أخرج الطبراني في
المعجم الكبير وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد "
وأخرج
الترمذي في السنن والحاكم في المستدرك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رِضَى الرَّبِّ فِي
رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ"
قال
المباركفوري : قَوْلُهُ : ( رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ ) وَكَذَا حُكْمُ
الْوَالِدَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى , ( وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ )
لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُطَاعَ الْأَبُ وَيُكْرَمَ , فَمَنْ أَطَاعَهُ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ , وَمَنْ أَغْضَبَهُ فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ , وَهَذَا
وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ انتهى.
كما أخبرنا
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى
كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ
الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
ومن أدرك والديه
أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج مسلم
في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ
مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ
أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"
قال النووي :
قَوْله صلى الله عليه وسلم : ( رَغِمَ أَنْف) قَالَ أَهْل اللُّغَة : مَعْنَاهُ
ذَلَّ ، وَأَصْله لَصْق أَنْفه بِالرِّغَامِ, وَهُوَ تُرَاب مُخْتَلَط بِرَمْلٍ ,
وَقِيلَ : الرُّغْم كُلّ مَا أَصَابَ الْأَنْف مِمَّا يُؤْذِيه . وَفِيهِ عَلَى
الْحَثّ عَلَى بِرّ الْوَالِدَيْنِ , وَعِظَم ثَوَابه . وَمَعْنَاهُ أَنَّ
بِرّهمَا عِنْد كِبَرهمَا وَضَعْفهمَا بِالْخِدْمَةِ , أَوْ النَّفَقَة , أَوْ
غَيْر ذَلِكَ سَبَب لِدُخُولِ الْجَنَّة ,فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ
دُخُول الْجَنَّة وَأَرْغَمَ اللَّه أَنْفه انتهى
وأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين من أسباب زيادة العمر لا نقصه كما أخرج أحمد في
المسند عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُزَادَ
لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "
وأخرج ابن
ماجه في السنن عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ وَلَا
يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ
بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"
قال السندي :
قَوْله ( لَا يَزِيد فِي الْعُمْر إِلَّا الْبِرُّ ) إِمَّا لِأَنَّ الْبَارّ
يَنْتَفِع بِعُمْرِهِ وَإِنْ قَلَّ أَكْثَر مِمَّا يَنْتَفِع بِهِ غَيْره وَإِنْ
كَثُرَ . وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُزَاد لَهُ فِي الْعُمْر حَقِيقَة بِمَعْنَى أَنَّهُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بَارًّا لَقَصُرَ عُمْره عَنْ الْقَدْر الَّذِي كَانَ إِذَا
بَرَّ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُون أَطْوَل عُمْرًا مِنْ غَيْر الْبَارّ انتهى .
وأخرج الإمام
أحمد في المسند والترمذي في السنن وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الْوَالِدُ أَوْسَطُ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ
"
قال
المباكفوري : قَوْلُهُ : ( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ) قَالَ
الْقَاضِي : أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا , وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ
مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ
دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ ,
وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّ لِلْجَنَّةِ أَبْوَابًا وَأَحْسَنُهَا دُخُولًا أَوْسَطُهَا
, وَإِنَّ سَبَبَ دُخُولِ ذَلِكَ الْبَابِ الْأَوْسَطِ هُوَ مُحَافَظَةُ حُقُوقِ
الْوَالِدِ ( فَأَضِعْ ) فِعْلَ أَمْرٍ مِنْ الْإِضَاعَةِ ( ذَلِكَ الْبَابَ )
بِتَرْكِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ ( أَوْ اِحْفَظْهُ ) أَيْ دَاوِمْ عَلَى
تَحْصِيلِهِ . انتهى
وأخرج
الترمذي في السنن عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا
عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ
مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ لَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ
خَالَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِرَّهَا
"
قد بين النبي
صلى الله عليه وسلم أن الوالد له فضل كبير على ولده لا يجازيه إلا أن يجده مملوكاً
فيعتقه كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا
إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ "
قال أبو بكر
الطرطوشي الأندلسي :إنما جعل هذا جزاء له ؛ لأن العبد وإن كان حياً كالمعدوم ؛ لأن
أوقاته مملوكة عليه مستغرقة ، بحق السيد في استخدامه وتصريفه إياه ثم هو مسلوب
أحكام الأحرار في الأملاك والأنكحة وجوازه الشهادات والولايات ونحوها من الأمور
وبالعتق يكمل له جميعها فكأن المعتق أوجده من عدم كما أن الولد كان معدوماً فكان الأب
سبباً لوجوده وثبوت الأحكام له ولهذا صار العتق أفضل ما أنعم به أحد على أحد انتهى
.
بل أخبر صلى
الله عليه وسلم أن الولد ملك لأبيه كما أخرج أبو داود عَنْ عبد الله عمرو أَنَّ
رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ مَالِي فقَالَ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ
إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ
"
ونبه صلى
الله عليه وسلم إلى أن حق الأم كبير كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبُوكَ "
قال الحافظ
ابن حجر : قَالَ اِبْن بَطَّال : مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلْأُمِّ ثَلَاثَة
أَمْثَال مَا لِلْأَبِ مِنْ الْبِرّ , قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ
الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع , فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الْأُمّ
وَتَشْقَى بِهَا , ثُمَّ تُشَارِك الْأَب فِي التَّرْبِيَة . فَسَوَّى بَيْنهمَا
فِي الْوِصَايَة , وَخَصَّ الْأُمّ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَة .
وقَالَ
الْقُرْطُبِيّ : الْمُرَاد أَنَّ الْأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ
الْأَوْفَر مِنْ الْبِرّ. انتهى .
قلت : وهنا
فهم للحديث لا يصح إذ أن بعض الناس يظنون بأن الأب لا حق له ؟ وهذا خطأ ؛لأن
الحديث أفاد أن للأب وللأم حقاً إلا أن الأم لها زيادة في الحق فلم ينف استحقاق
الأب للبر وحسن الصحبة فتأملوا هذا جيداً .
ولا شك أن حق
الأم لا يقدر فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل
يماني يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول :
إني لها
بعيرها المذلل إن أُذعرتْ ركابها لم أُذعر
ثم قال
اليماني : يا ابن عمر :أتراني جزيتها ؟ قال :لا ولا بزفرة واحدة "
والزفير : هو
تردد النفس حتى تختلف الأضلاع وهذا يعرض للأم عند الولادة .
وفضل النبي
صلى الله عليه وسلم بر الأم على الغزو في غير الفرض كما أخرجه الإمام أحمد في
المسند والنسائي في السنن عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ
جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ
رِجْلَيْهَا"
قال السندي :
قَوْله ( فَإِنَّ الْجَنَّة ) أَيْ نَصِيبك مِنْهَا لَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا
بِرِضَاهَا بِحَيْثُ كَأَنَّهُ لَهَا وَهِيَ قَاعِدَة عَلَيْهِ فَلَا يَصِل
إِلَيْك إِلَّا مِنْ جِهَتهَا فَإِنَّ الشَّيْء إِذَا صَارَ تَحْت رِجْل أَحَد
فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصِل إِلَى آخَر
إِلَّا مِنْ جِهَته وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم .انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
وهنا أنبه
إلى أن الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الجنة تحت أقدام الأمهات لا يصح عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما يصح قوله صلى الله عليه وسلم عن
الأم "فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا"
بل جعل طاعة
الوالدين من الجهاد كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بْن
عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ :أَحَيٌّ
وَالِدَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ! قَالَ "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "
وفي لفظ
لمسلم " عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَقْبَلَ رَجُلٌ
إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ
عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ
مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ قَالَ نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا قَالَ فَتَبْتَغِي
الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ
فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا"
قال النووي :
هَذَا كُلّه دَلِيل لِعِظَمِ فَضِيلَة بِرّهمَا , وَأَنَّهُ آكَد مِنْ الْجِهَاد ,
وَفِيهِ حُجَّة لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز الْجِهَاد إِلَّا
بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ , أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِم مِنْهُمَا . هَذَا
إِذَا لَمْ يَتَعَيَّن الْقِتَال , وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوز بِغَيْرِ إِذْن .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْأَمْر بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ , وَأَنَّ
عُقُوقهمَا حَرَام مِنْ الْكَبَائِر انتهى .
وقال الحافظ
ابن حجر رحمه الله تعالى : قَوْله : ( فِيهِمَا فَجَاهِدْ ) أَيْ خَصِّصْهُمَا
بِجِهَادِ النَّفْس فِي رِضَاهُمَا , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَاز التَّعْبِير عَنْ
الشَّيْء بِضِدِّهِ إِذَا فُهِمَ الْمَعْنَى , لِأَنَّ صِيغَة الْأَمْر فِي قَوْله
" فَجَاهِدْ " ظَاهِرهَا إِيصَال الضَّرَر الَّذِي كَانَ يَحْصُل لِغَيْرِهِمَا
لَهُمَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا قَطْعًا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد إِيصَال
الْقَدْر الْمُشْتَرَك مِنْ كُلْفَة الْجِهَاد وَهُوَ تَعَب الْبَدَن وَالْمَال ,
وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ كُلّ شَيْء يُتْعِب النَّفْس يُسَمَّى جِهَادًا , وَفِيهِ
أَنَّ بِرّ الْوَالِد قَدْ يَكُون أَفْضَل مِنْ الْجِهَاد , وَأَنَّ الْمُسْتَشَار
يُشِير بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَة , وَأَنَّ الْمُكَلَّف يَسْتَفْصِل عَنْ
الْأَفْضَل فِي أَعْمَال الطَّاعَة لِيَعْمَل بِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَ فَضْل
الْجِهَاد فَبَادَرَ إِلَيْهِ , ثُمَّ لَمْ يَقْنَع حَتَّى اِسْتَأْذَنَ فِيهِ
فَدُلَّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ فِي حَقّه , وَلَوْلَا السُّؤَال مَا
حَصَلَ لَهُ الْعِلْم بِذَلِكَ .
وقَالَ
جُمْهُور الْعُلَمَاء : يَحْرُم الْجِهَاد إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ
أَحَدهمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ , لِأَنَّ بِرّهمَا فَرْض عَيْن
عَلَيْهِ وَالْجِهَاد فَرْض كِفَايَة , فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَاد فَلَا إِذْن .
وَاسْتَدَلَّ
بِهِ عَلَى تَحْرِيم السَّفَر بِغَيْرِ إِذْن لِأَنَّ الْجِهَاد إِذَا مُنِعَ مَعَ
فَضِيلَته فَالسَّفَر الْمُبَاح أَوْلَى نَعَمْ إِنْ كَانَ سَفَره لِتَعَلُّمِ
فَرْض عَيْن حَيْثُ يَتَعَيَّن السَّفَر طَرِيقًا إِلَيْهِ فَلَا مَنْع , وَإِنْ
كَانَ فَرْض كِفَايَة فَفِيهِ خِلَاف . وَفِي الْحَدِيث فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ
وَتَعْظِيم حَقّهمَا وَكَثْرَة الثَّوَاب عَلَى بِرّهمَا . انتهى .
وهنا ألفت
نظر الشاب المسلم الذي يخرج للجهاد دون رضا والديه أو أحدهما ويجعلهما يبكيان عليه
ويتألمان على فراقه وبعده ألفت نظره إلى هذه الأحاديث الصحيحة أن يعمل بها ولا
يذهب إلى الجهاد إلا بعد إذنهما وتوفر شروط الجهاد المطلوبة؛ بل قد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم من أبكى والديه أن يضحكهما كما أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو
داود والنسائي في سننهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتُ
أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجِعْ
عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا "
وإن من بر
الوالد أن تصل من كان يحبهم بعد موته كما أخرج مسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي
في سننهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ
عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً
كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ
إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ
أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ
قال النووي :
قَوْله : (كَانَ وُدًّا لِعُمَر ) أَيْ صَدِيقًا مِنْ أَهْل مَوَدَّته , وَهِيَ
مَحَبَّته .
وَفِي هَذَا
فَضْل صِلَة أَصْدِقَاء الْأَب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَإِكْرَامهمْ , وَهُوَ
مُتَضَمِّن لِبِرِّ الْأَب وَإِكْرَامه ; لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ , وَتَلْتَحِق
بِهِ أَصْدِقَاء الْأُمّ وَالْأَجْدَاد وَالْمَشَايِخ وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة
انتهى .
ومن بر
الوالد أن لا تسمه باسمه ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله كما أخرج البخاري في الأدب
المفرد عن عروة أن أبا هريرة أبصر رجلين فقال لأحدهما :ما هذا منك ؟ فقال : أبي !
فقال أبو هريرة رضي الله عنه : لا تسمه باسمه ، ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله
"
وقد نهى الله
تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى {إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا
أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء: من
الآية23) ففي حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما، وربما
وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، وفي حال كهذه نهى الله الولد
أن يتضجر أقل تضجر من والديه، وأمره أن يقول لهما قولاً كريماً وأن يخفض لهما جناح
الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامهما ويعاملهما معاملة الخادم
الذي ذل أمام سيده رحمة بهما وإحساناً إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه
في صغره ووقت حاجته فربياه صغيراً.
وإن عقوق
الوالدين من أعظم الكبائر ولقد نهى الله عن التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ
فقال تعالى ( فلا تقل لهما أف ) وهي كلمة بمعنى التضجر من خدمتهما وطاعتهما فكيف
بمن يعصيهما وكيف بمن يسبهما أو ينهرهما أو يضربهما لا شك أن هذا من أعظم الجرائم
وأعظم الكفر بالمعروف والإحسان ( ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ) . وقد دعا
النبي صلى الله عليه وسلم على العاق فقَالَ صلى الله عليه وسلم " رَغِمَ
أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ " قِيلَ : مَنْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ
أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "
وأخبر أن
العقوق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ففي البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي عليه
الصلاة والسلام قال أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ " قَالَ فَمَا
زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
وأخبر بأن
العاق ممن لا ينظر إليه يوم القيامة فقد صح عن عليه الصلاة والسلام أنه قال "
ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ
وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ
عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى "
ولعن صلى
الله عليه وسلم من عق والديه فقال صلى الله عليه وسلم "ملعون من عق
والديه"
فأين الذين
يعقون آباءهم من هذه الأحاديث بل أين الذين يؤذونهم بالقول والفعل منها بل إن
بعضاً منهم ممن نزع الله من قلبه الرحمة يتعرضون لآبائهم بالسب والشتم والأذية بل
ويزيد بعض من لا خوف من الله يحجزهم فينهال على أبيه وأمه فيضربهما بيده شل الله
يمينه ووالله إن هذا من أعظم العقوق وأفجر الفجور وأقبح الجرائم ولو لا أنا سمعنا
وسمع غيرنا بهذا لما كنا نصدق أن ولداً يرفع يده على أبيه أو أمه .
ولربما سمعتم
بمن وصل به العقوق إلى أن يفضل زوجته على أبيه أو أمه ولربما بلغ به الضيق بهما
على كبرهما بأن يدخلهما دار العجزة والمسنين وربما أدخلهما إلى المستشفى للعلاج ثم
لم يرجع إليهما كما قد سمعنا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله . فأي خير يرجوه في
الدنيا والآخرة هذا الابن العاق لوالديه ووالله إن مثل هذا لا يفلح فهو معرَّض
لعقوبة الله تعالى له في دنياه قبل أخراه فيبتليه بالمصائب في حياته ويعجل له
العقوبة فلا يموت إلا وهو قد لقي نتيجة عقوقه وهذا مصداقاً لقول النبي صلى الله
عليه وسلم "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ
الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ "
فأي قطيعة
للرحم أشد من العقوق وأي بغي أشد من إيذاء الوالدين أو أحدهما والاعتداء عليهما .
فاحذر أيها
العاق من عقوبة الله العاجلة لك واحذر مكره بك ولا تغتر بقوتك وشبابك مقابل ضعفهما
وقلة حيلتهما فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
وفي الختام :
اسأل الله الكريم أن يرزقني وإياكم بر الوالدين، وأن يبعدني وإياكم عن عقوقهما
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وكتبه
د/ أحمد بن
عمر بازمول
الأستاذ
المساعد بالكلية الجامعية
قسم الدراسات
الإسلامية
الأربعاء -
29/ ذو الحجة/ 1430هـ
حمل الملف | |
File Size: | 707 kb |
File Type: |