مختصر تعقيب العلامة النجمي الكاشف لتلبيسات الحلبي
لفضيلة الشيخ أحمد بازمول
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدأن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةبدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أما بعد : فقد أفتى شيخنا العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى أن من يثني على المغراوي والمأربي لا يؤخذ منه العلم من أهل الشام كالمدعو علي بن حسن الحلبي، فقام الحلبي بالتعليق على فتوى الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي وطعن فيها بأسلوب ماكر، وسفسطة فلسفية معروفة من أمثاله، وحاول التملص من باطله، وقلبه على أهل الحق، فظهر بمظهر المنصف، وأظهر غيره بمظهر الظالم المتعدي!! فقام شيخنا العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى بالرد عليه مفصلاً في أكثر من عشر صفحات، فقمت بتلخيصها واختصارها، وقدمت وأخرت بعض الجمل وأضفت بعض الكلمات لتنسيق الكلام مما لا يخرج عن مقصود الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى . وسميته (( مختصر تعقيب العلامة أحمد بن يحيى النجمي الكاشف لتلبيسات علي الحلبي )) . وليعلم القارئ الكريم أن مخاطبة الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى للحلبي بقوله بالشيخ لا يعني أنه يثني عليه وأنه يحترمه؛ لأن الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي قال في الحلبي وأشكاله : لا يؤخذ منه العلم . لأن بعض الناس وجدناهم يفرحون بمناداة بعض أهل العلم للحلبي بالشيخ فيقولون يحترمه العلماء !! وهذا مما زينه الشيطان لأتباع الحلبي ومريديه، لأنهم لو عقلوا ما يقولون لعلموا أن ما صدر من الحلبي لا يصدر من شيخ علم، يدعي السنة والسلفية، فهي كلمة ملزمة له بقول الحق لا بالإصرار على الباطل، فمقصود العلماء إن كنت شيخاً حقاً فلِمَ تقع في هذه المخالفة ! فهم يذكرونه بحال أهل العلم ! لا أنهم يثنون على من خالف الحق ! والآن أتركك أخي القارئ الكريم مع اختصاري لرسالة شيخنا العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى . سئل الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى : هل تنصحوننا بأخذ العلم من مشايخ الأردن في العقيدة ؛ وهم شيوخ مركز الألباني - رحمه الله - ؟ فأجاب فضيلة الشيخ : هؤلاء معدودون من السلفيين ؛ ولكن نقلت عنهم أنَّهم يؤيدون أبا الحسن، ويؤيدون المغراوي، ويزكونهم، ومن يزكي المغراوي التكفيري؛ الذي يسمي الذين يأتون بالمغنيين للزفاف يسميهم عجول، ويخلط بين المكفر، وغير المكفر، ويجعلها كلَّها مكفرة؛ فإنَّ عليه ملاحظات، ولا نستطيع أن نقول فيه أنَّه يؤخذ عنهم العلم. والحلبي قد وقف على ما عند المغراوي من أباطيل فالحقيقة أني فوجئت بموقف الحلبي من المغراوي وثنائه عليه؛ فإذا كان أنت يا شيخ علي تقول : أنَّك لا تقرُّه، ولا تؤيده ، وقد نصحته هو وأبا الحسن " أقول : كان ينبغي أن تبدي تبرأك منه، وغضبك عليه؛ أمَّا كونك لم تبدِ غضبك عليه، ولا امتعاضك من اتجاهه الخارجي السيئ؛ فأنا لا ألام على ما قلتُه، والله يعلم أنِّي ما قصدت غير إرضاء ربي عزَّ وجل، ولست أزكي نفسي من الوقوع في الخطأ أحياناً؛ شأني شأن غيري من البشر.
قال الحلبي
(( نحن ندعو إلى الدعوة السلفية، والعقيدة السلفية، ونؤازر مشائخنا في كلِّ مكان لا يمنعنا منهم جغرافية، ولا حدود، ولا ألوان، ولا أسماء، ونعتقد أنَّ الولاء والبراء على المنهج والعقيدة ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول هذا هو الواجب، فمن قام به نجا، ومن قصَّر فيه فسيجد مغبَّة ذلك التقصير إلاَّ أنَّ تلك المؤازرة يجب أن تكون مقيَّدةً بمن كان على المنهج الصحيح، والاتجاه السليم؛ فإن حصل من أحدٍ منهم جنوحٌ عن المنهج الصحيح أو ميلٌ عن الاتجاه السليم وجب نصحه، وإشعاره بخطئه؛ لعلَّه يتوب، وينيب؛ فإن فعل فهو على مكانته الأولى عند أهل السنة.
قال الحلبي
(( أمَّا أنَّه قال الشيخ : ولكن نقلت عنهم ..يعني : أنَّ السائل نقل لنا عنهم - عنَّا - أنَّنا نؤيد أبا الحسن، والمغراوي، ونزكيهم؛ وهذا في الحقيقة كلامٌ غير صحيح؛ نحن ننتقد أبا الحسن، وننتقد المغراوي فيما أخطأوا فيه، ونحن بيَّنَّا ما عندهم من ملاحظات ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : إن كان ما قلتم حقَّاً أنَّكم أنكرتم عليهم، ولم يقبلوا؛ فلِمَ لم تظهروا خطأهم، وتبينوه أمام النَّاس، وتتبرؤوا منهم ! ثانياً : نحن ما زلنا نسمع أنَّ مشايخ الأردن ما زالوا يستقبلون المبتدعة؛ أبا الحسن المأربي، والمغراوي، وقد سئلنا كثيراً عن ذلك ؟ فقلنا: إن كان ما قيل حقَّاً أنَّ علي بن حسن الحلبي، وسليم بن عيد الهلالي ما زالوا يؤيدون أبا الحسن المأربي، ومحمد بن عبد الرحمن المغرواي؛ فنحن لا نستطيع أن نأمر بالأخذ عنهم؛ لأنَّا نقرأ عن السلف أنَّهم يقولون من أيَّد المبتدع، ثمَّ نصح، ولم يقبل ألحق به في الهجر له، وعدم الانبساط إليه، وعدم الأخذ عنه؛ فنحن لم نقل شيئاً من عندنا ! قال ابن بطة في الأثر تحت رقم 420 : " روى بسنده إلى محمد بن سهم؛ قال : سمعت بقية : قال كان الأوزاعي يقول: من ستر عنَّا بدعته لم تخف علينا ألفته " وقال أيضاً أثراً برقم 421 : بسنده إلى يحيى بن سعيد القطان يقول : لمَّا قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح ، وقدره عند الناس؛ سأل أيُّ شيءٍ مذهبه ؟ قالوا : ما مذهبه إلاَّ السنة ؛ قال : من بطانته ؟ قالوا : القدرية ؛ قال : هو قدري؛ قال الشيخ ( يعني ابن بطة ) : رحمة الله على سفيان الثوري؛ لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلمٍ فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة، ويدركه العيان، ويعرفه أهل البصيرة والبيان قال الله عزّ وجل : (( يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم " والأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح أنَّ من آوى أهل البدع أو جالسهم أو آكلهم، وشاربهم أو سافر معهم مختاراً؛ فإنَّه يلحق بهم؛ لاسيما إذا نُصح، وأصرَّ على ما هو عليه حتى ولو زعم أنَّه إنَّما جالسهم ليناصحهم؛ لاسيما والمغراوي نزعته خارجية واضحة في النشرة التي أرسلت إلينا . ثالثاً : أنَّكم لو أنكرتم عليهم إنكاراً علنياً ، ولم تستقبلوهم لذكر ذلك، ولما تناقل الناس أنَّكم تؤيدونهم، وأنَّكم راضون عنهم .
قال الحلبي
(( لكن لا يمكن أن نرضى لأنفسنا أن نكون نسخةً طبق الأصل عن أيِّ إنسانٍ كان مهما كان وزنه، ومهما علا اسمه ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : من هو الذي كلَّفكم بهذا . وثانياً: من وافق شخصاً لكونه رأى أن الدليل معه؛ فإنَّه لا يعد موافقاً للشخص، ولكنَّه يعدُّ موافقاً للدليل؛ وهذا هو التقليد المباح، والله تعالى أخبرنا أنَّ المؤمنين سبيلهم واحد، وأنَّه يتبع بعضهم بعضاً في الحق ويستغفر آخرهم لأولهم ؛ فقال سبحانه وتعالى :)ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنَّم وساءت مصيراً ( [ النساء : 115] وقال تعالى : ) والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ( [ الطور : 21 ] وقال الله تعالى : ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ( [ الحشر : 10 ] فليس أحدٌ من المؤمنين أو من العلماء مستقلاً بنفسه، ولكن يتَّبع بعضهم بعضاً على العقيدة والأحكام الشرعية قال الله تعالى : ) ثمَّ أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( [ النحل : 123 ] وقال تعالى : ) أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ( [ الأنعام : 90 ] . وبالجملة فمن اتبع شخصاً في قولٍ أو أقوالٍ فإنَّه لا يقال أنَّه صار نسخةً طبق الأصل من فلان.
قال الحلبي
(( وبخاصة أنَّ هناك من كبار المشايخ في بلاد الحرمين الشريفين؛ من لايزال يؤيد أبا الحسن، ويؤيد المغراوي، ويزكونهم؛ فهل يعني يستطيع السائل أو المجيب – حفظ الله الجميع - أن يعمِّموا هذه الفتوى بأنَّ من عليه هذه الملاحظة لا يؤخذ عنه العلم ؟!حتى لو كان من كبار المشائخ ؟ ! ولا أريد أن أسمي في هذا المقام ؛ لكن معروفٌ أسماء المشايخ الكبار الذين لا يستطيع أحدٌ التشكيك فيهم ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : أولاً : ما كلُّ من في بلاد الحرمين على عقيدةٍ واحدة؛ بل منهم الحزبي المتستر، ومنهم السِّني؛ الذي لا يريد أن يجابه أحداً، ومنهم السلفي؛ الذي أخذ نفسه بأن يقول كلمة الحق ما دامت المصلحة مضمونة في قولها، ثمَّ سمِّ لنا هؤلاء المشائخ حتى نناصحهم، وأعتقد أنَّ من يؤيدهم ويزكيهم – إن كانوا سلفيين – اعتقد أنَّهم لم يقرؤوا، ولم يقفوا على ضلالات هذين الرجلين، ولا يجوز لك أن تحتج بهم، وقد عرفت ما عند هذين الرجلين من الانحراف؛ بل يجب عليك مناصحتهم، والابتعاد عن طريقتهم . ثانياً : ومن أثنى على المغراوي بعد أن علم نزعته الخارجية يجب أن يلحق به، ولا أعلم أنَّ أحداً من أهل السنَّة المعروفين سيتوقف عن إلحاقه به . ثالثاً : أنَّ أهل السنَّة إنَّما نالوا ما ناولوا من الشرف، والتقدم بما هم عليه من الاستقامة على الحق، والسير مع الدليل وعلى فهم السلف الصالح؛ فلا أتصور أنَّ أحداً منهم سيجامل أحداً من الناس في دين الله . وقول الحلبي (( فهل يعني يستطيع السائل أو المجيب – حفظ الله الجميع - أن يعمِّموا هذه الفتوى بأنَّ من عليه هذه الملاحظة لا يؤخذ عنه العلم ؟!حتى لو كان من كبار المشـائخ ؟ ! )) أقول : نعم، وأنا أعلنها صريحةً بأنَّ من يقول بقول الخوارج لا يجوز أن يؤخذ عنه العلم كائناً من كان، وهل وقعنا فيما وقعنا فيه، ووجد فينا المفجرون، والمكفرون، والمدمرون إلاَّ بسبب تتلمذهم على من يقولون بقول الخوارج، وعلى كتب من يقول بقول الخوارج.
قال الحلبي
(( لكن قد تكون نقطة الخلاف أنَّنا مع ملاحظاتنا على أبي الحسن، وعلى المغراوي، وقد واجهناهما في بعض الأمر؛ أنَّنا لا نخرجهم من السلفية؛ فهذه قضية ثانية ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : هذا اعترافٌ من الشيخ علي الحلبي بتساهلهم مع المأربي، والمغراوي بأنَّه لم يكن منهم إنكار جدي يفهم ذلك من قوله : وقد واجهناهما في بعض الأمر " أنَّ المواجهة لم تكن جدية إن كانت حصلت؛ وأنا لا أكذِّب الشيخ، ولكن لعلَّها كانت بالهوينا من غير جرح مشاعر، ولا إثارة غضب، والذي ينبغي هو أن يكون غضبنا لله قوياً، وإنكارنا لما يغضبه شديداً. وأمَّا قوله : أنَّنا لا نخرجهم من السلفية ؛ فهذه قضية ثانية " أقول : لماذا لم تخرجوهم من السلفية مع وضوح بدعتهم، وغلظها . أمَّا المغراوي فاقرؤوا النشرة التي كتبت عليه من أشرطته بأرقام الأشرطة، ويظهر واضحاً مما دون عليه أنَّه خارجي محترق! وأمَّا المأربي فالملاحظ عليه بدع أخرى، وهو صاحب المغراوي وصديقه؛ فهل في أمرهما إشكال بعد هذا حتى تتوقفوا في إخراجهم من السلفية . ما هو فكر الخوارج؛ أليس هو تكفيرٌ المسلمين ؟ أليس هو استباحة دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم ؟ ألم يستحلوا دماء خيار المؤمنين في كلِّ زمانٍ ، والآن ألا ترون ما وقع منهم من الغلو ، والتكفير ، والتفجير ؛ استقرؤوا كتب المناهج؛ التي دونت آثار السلف؛ هل تجدون أحداً من السلف أدخل الخوارج في المنهج السلفي، وعدَّهم من أهله ؟ أم أنَّهم ذمُّوهم، وعابوهم، وجعلوهم من شرار المبتدعة .
قال الحلبي
(( نحن إخراجنا من السلفية لزيدٍ أو عمروٍ لا ينبغي أن يكون مبنياً على التقليد، ولا ينبغي أن يكون مبيناً على الإمعية، وإنَّما ينبغي أن يكون مبنياً على العلم، وعلى الدين، وعلى الحجة؛ فإذا ظهر لنا الدليل، وبانت لنا الحجة؛ فإن شاء الله لن نكابر، ولن نستكبر، ولن نظلم أنفسنا بمناقضة الحق، ومخالفة أهل العلم ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : يعلم الله أنَّا لم نقل ما قلنا تقليداً لأحد، ولا تضامناً مع أحد، وإنَّما كان ذلك بناءاً على ما صحَّ عندنا، وثبت لدينا بالأدلة على ذلك، ولسنا بحمد الله ممن يقلد في مثل هذه الأمور أو ممن يتضامن مع الغير بلا حجة، ولا نتهم أحداً بذلك؛ فإن كنت إلى الآن لم يتضح لك خارجية المغراوي؛ فاقرأ النشرة التي أرسلها الشباب السلفي من المغرب، ونحن لا نطالب أحداً بغير الحق، ولكن نطالب المشايخ المحسوبين على المنهج السلفي أن تجتمع كلمتهم على نصرة الحق، ونبذ الباطل عبوديةً لله وحده دون سواه، وليس المقصود أن نتكثَّر بالأشخاص نعوذ بالله من ذلك؛ فنحن نؤمـن أنَّ الحـق منصورٌ، ولو لم يكن عليه إلاَّ واحد، وأنَّ الباطل مخذولٌ، وإن أوعب عليه الناس، ولنا في أنبياء الله عبرة، فالواجب على أهل الحق أن ينصروا الحق، وأن يكونوا في صفِّ من يقوم به عبوديةً لله تعالى، ولا يجوز أن نقول لمن نصر الحق أنَّه إمَّعة مع من قام به بل نعتقد أنَّه قام بالواجب عليه؛ امتثالاً لقوله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصـار الله ( [ الصف : 14 ].
قال الحلبي
(( فإذا ضاقت الأمور، واختلفنا في فلانٍ؛ فلا يجوز البتة أن نجعل اختلافنا في غيرنا سبباً للاختلاف بيننا، وإلاَّ كان سبيلاً كبيراً يستفيد منه المخالفون أكثر ما يستفيدون ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : على أيِّ شيءٍ يجب اجتماعنا؛ أليس على الحق ؟ ! بلى؛ فإن خالف الحق أحدٌ وجب علينا أولاً أن ننصحه، ونبيِّن له؛ فإن رجع، وإلاَّ فإنَّه يجب علينا أن نعتبره شاذاً، ونرفضه؛ فإن أيَّده أحد، وأعانه على باطله أنكرنا على المؤيد؛ وهجرناه، وبالأخص إذا كانت بدعته أو مخالفته واضحةً، وضارة كبدعة الخوارج، ولا يجوز أن نترك الإنكار على المميع حرصاً على جمع الكلمة، ولاشك أنَّ بدعة الخوارج بدعةٌ ضارة بالدين؛ فإن أفتينا بجواز الأخذ للعلم عمَّن يرى رأي الخوارج؛ فقد أعنَّا على هدم الدين، وشجَّعنا المفسدين؛ وهل وجد فينا التكفير، والتفجير، والتدمير إلاَّ حين تتلمذ مجموعات من الشباب على هؤلاء، ومؤيديهم، ولا يجوز أن نقول هؤلاء يحفظون القرآن، وعندهم علمٌ؛ فالجهل خيرٌ من التتلمذ على أيديهم، وأين أنت من قول بعض السلف : من وقَّر صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام " أخرجه البيهقي في الشعب . وصبيغ سيَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة، ونهى عن مجالسته؛ أليس لأنَّ عمر رضي الله عنه خاف على المسلمين من العدوى بفكره ؟ بلى؛ أفيليق بعد ذلك ونحن ننتمي إلى أهل الحديث، وأتباع الأثر أن نغضب على من قال لا يؤخذ العلم على من يرى رأي الخوارج، ولا على من يدافع عمَّن يرى رأي الخوارج، ويعتذر له، ويبرر مسلكه أو يؤويه في بيته، ويتظاهر بصحبته، ويحتفظ به؛ فلا يخرجه من منهج السلف بعد العلم بخارجيته ؟!! بل يرى أنَّه إن كان له ذنبٌ فذنبه صغير لا يستحق أن يخرج به من المنهج السلفي؛ أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لعن الله من آوى محدثاً )) رواه مسلم ، وأيُّ حدثٍ أعظم من حدث الخوارج؛ فهل يصح أن يقال أنَّه لا يخرج من السلفية مع ما ورد في الأحاديث المخرَّجة في الصحيحين أو أحدهما أو مخرَّجة في غيرهما بسندٍ صحيح؛ وإني والله أربأُ بك يا شيخ علي وأنت من المعدودين من أصحاب الحديث أن تتوقف في إخراج من يدين بهذا الفكر الخارجي من السلفية .
قال الحلبي
(( وهذه المسائل ينبغي أن يطوى الآن بعد هذه السنوات لا أقول يطوى كتحقيق مسائل علمية منهجية عقائدية ؛ فقد حققت ، والحمد لله ، وظهر الصواب فيها ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : ما هو الصواب الذي ظهر ؟ هل هو بإدانتهم بما ثبت عليهم من فكرهم المنحرف؛ فيهجرون هم ومن أقرهم على هذا الفكر أو ناصرهم، وأيدهم عليه، ويحكم عليهم بأنَّهم قد خرجوا من المنهج السلفي أو ثبتت براءتهم فيحكم لهم بأنَّهم ما زالوا على المنهج السلفي؛ فإن كان الاحتمال الأول؛ فلِمَ تحكم لهم بالبقاء على المنهج السلفي ؟ وإن كان الثاني فمن أين تثبت براءتهم ؟ والأشياء الملاحظة عليهم موجودة بين أيدي الناس، ولم يُر منهم رجوعٌ عن الخطأ، ولا اعتراف به، وطلب للتوبة من الله؛ ومن ناحية أخرى كيف يطوى شيءٌ قادحٌ في الدين، ويسكت عليه مع عظمه، وبشاعته ؟ فكما أنَّ الدين عزيزٌ علينا؛ فإنَّ ما يقدح فيه فظيعٌ عندنا، وبشعٌ في نفوسنا؛ ألا ترى أنَّ السلف ما زالوا يتناقلون كلَّ ما حصل من أمر الدين تناقلوا كلَّ شيءٍ يتعلق بأمر الدين؛ فما كان لإعزازه تناقلوه؛ ليقتفى ويتَّبع، وما كان مما يقدح في الدين، ويؤثر فيه نقصاً تناقلوه؛ ليعرف ، ويحذر فكلمة يطوى لا ينبغي أن تقال في هذا المقام؛ وإنَّما يطوى ما لو حصل من الإنسان مخالفة للشرع؛ فتاب منها وأناب، فإنَّها تطوى بمعنى يسدل الستار عليها فلا تذكر .
قال الحلبي
(( لكن لا ينبغي أن يستمر الأمر في الامتحان للأشخاص، وامتحان الناس، وبث الفرقة بينهم على هذا وذاك))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : يا شيخ غفر الله لك : ألست تعرف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم امتحن الجارية فقال لها : (( أين الله؟ قالت : في السماء ؛ قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله ؛ قال : اعتقها فإنَّها مؤمنة )) رواه الدارمي ، وأحمد ؛ أليس هذا امتحانٌ يا شيخ ؟! ألم ينقل عن أبي زرعة رحمه الله : (إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري ، وزائدة فلا تشك أنَّه رافضي ، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي فلاتشك أنَّه مرجئ ، واعلم أنَّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل لأنَّه ما من أحد إلاَّ وفي قلبه منه سهمٌ لابرء له منـه ) كما في طبقات الحنابلة ( 1/ 199-200 )؛ أليس هذا دليلٌ على أنَّ من شكَّ فيه يسأل عنه ، ويؤخذ مقاله دليلٌ على حاله .
قال الحلبي
(( فمثل هذا الامتحان لا يكون على من اتفقت كلمة أهل السنة وعلمائهم عليهم؛ نقداً، وطعناً أو ثناءً و مدحاً، ولا أظنُّ أنَّ الأمر كذلك في هذين أو من لفَّ لفهما))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : إنَّ أبا الحسن ، والمغراوي ليسوا من أهل السنة الثابتين عليها؛ الذين اتفقت كلمة علماء السنة على عدم الطعن فيهم؛ لاقتفائهم للسنن، وسيرهم عليها، وعنايتهم بها؛ فكتاباتهم، وتصرفاتهم شواهد بأنَّهم بعيدون عن السنة غير ثابتين عليها، ولا أدري كيف تصوَّر هذا عندك، وفي ذهنك . ألم تر ما حصل من أبي الحسن من ردِّ خبر الآحاد، وما جرى من الردود التي كتبها عليه الشيـخ الفاضل والعالم الجليل ربيع بن هادي المدخلي والتي سماها بـ " مجموع الردود على أبي الحسن ؟ " . ألم تر تأصيله للدفاع عن أهل البدع ؟ . ألم تر أنَّه ألَّف كتـاباً في مجلدين للدفـاع عن أهل البدع وأئمتهم سمَّاه " الدفاع عن أهل الاتباع ؟ " . ألم تعلم أنَّه أعلن براءته من أهل السنة في اليمن ، ويرميهم بالفواقر ؟ . ألم تعلم أنَّه صرَّح بنقض منهج الشيخ ربيع المدخلي ؛ الذي هو منهج السلف الصالح ، وأقرَّه عليه العلماء الكبار المعاصرون ، ومنهم الشيخ الألباني – رحمه الله – حيث وجَّه لأبي الحسن سؤالٌ من أحد أنصاره ، ونصُّه : لماذا لم تتكلم من قبل أن تحصل هذه الفتنة ، وتبين الأصول الفاسدة عند الشيخ ربيع، وعند هؤلاء ؟ فأجاب أبو الحسن على هذا السؤال الفاجر بقوله : " بعد الثناء مكـراً منـه على من سمَّاهـم إخوانه : أمَّا الشيخ ربيع فأصوله هذه منقوضة في السراج من عام 1418 هـ " لقد شغل أبو الحسن الناس بأصوله الفاسدة : 1- أخبار الآحاد ، وأنَّها تفيد الظن، وتلونه فيها . 2- حمل المجمل على المفصَّل ، وتلونه فيه . 3- نصحح ، ولانهدم ، وتلاعبه فيه . 4- نريد منهجاً واسعاً أفيح يسع أهل السنة والأمة ، وتلونه فيه . 5- لانقلد ، وتلونه فيه . 6- نحن أصحاب الدليل ، وتلونه فيه . 7- ليس لأحدٍ على الدعوة وصاية ، وليس في الدعوة بابوات ، ولا ملالي. والقصد بذلك الثورة على المنهج السلفي ، وإسقاط علمائه ، وقد أسقطه الله ، وخيَّب آماله . كيف يرفض نقد العلماء له القائم على الحجج والبراهين بدعوى أنَّهم مقلدون للشيخ ربيع ، وهم أبعد عن التقليد : أ – كطعنه في الصحابة بمثل الغثائية . ب- ووصف بعض الأنبياء بالعجلة المذمومة . ج – والطعن في الصحابة ، وتربيتهم بأنَّ فيهم خلالاً في التربية . د – وبيان حال أصوله الفاسدة ، وشبهاته الباطلة بأنَّه تحميلٌ للكلام ما لايحتمل ، وأنَّه تهاويل ، وأنَّه تجريح بدون سبب . وانظر إليه ، وقد هيَّج الأحداث السفهاء على العلماء ، وعلى رفض أحكامهم ، والحكم عليها؛ ظلماً بأنَّها من أجل أغراض غامضة وجلية بعد أن زرع هو حنظل الفرقة ... الخ . وانظر إليه كيف ينسب هذه المساوئ إلى غيره بكلِّ جرأة . وانظر إليه كيف يرمي الناس بكلِّ أدوائه ، ثمَّ ينسلُّ منها ، فهل رأت عيناك أو سمعت أذناك مثل هذا الرجل، وألاعيبه، وبراعته في تقليب الأمور؛ أليس ما ذكرته هنا بعض شنائع أبي الحسن ؟ أما علمتم أيها القرَّاء أنَّ أبا الحسن نادى بالفرقة مرَّات، ومدحها ؟ وكم سعى الناصحون في اليمن ، والحجاز لرأب الصدع ، وإنهاء أسباب الفرقة ، ولكن لطموحات أبي الحسن الشريرة ، وأسباب خفية ، وجلية أبى إلاَّ المضي في طريق الشقاق ، والفراق ، والحرب ، والفتن . هل تدري أيها القارئ أنَّ أشرطة حربه وفتنته قد بلغت أكثر من ثمانين شريطاً ؛ هذا عدا تهريجه، وتهريج أتباعه، وعدا كتاباته ، وكتاباتهم في شبكات الإنترنت بما يزكم الأنوف شره ، وخبثه . انظر التنكيل بما جاء في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ( ص5 ، 7 ، 17 ط مجالس الهدى ) . ألم تقرأ ما نقل عن المغراوي من تكفيره للمسلمين في أشرطته التي نقلت عنه ، وذلك مدوَّن عليه في الأوراق المرسلة من أهل السنة السلفيين في المغرب .
قال الحلبي
(( ولكن ينبغي أن يكون ذلك كلَّه من باب الحرص، والشفقة عليهم؛ حتى يرجعوا إلى الحق فيما خالفونا فيه، وخالفوا مشايخنا ))
فتعقبه العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى
أقول : نحن لا نقول ذلك، ولا نتعانا به إلاَّ من باب الحرص، والشفقة عليهم، وعلى غيرهم؛ ممن ينخدع بأقوالهم، وإذا كانوا هم قد مردوا على الباطل، وقد صاح بهم من أهل السنة من نصحهم سراً، أو جهراً حتى ولو كان ممن يعدون من طلابهم؛ فإذا كانوا قد مردوا على هذه المعصية، وأبوا أن يقبلوا النصح؛ فإنَّ الواجب على أهل السنة أن يبينوا شطحاتهم، ويظهروا أمرهم حتى لاينخدع بهم من ينخدع، ولايجوز لأحدٍ من أهل السنة أن يسكت عن باطلهم من باب المحاباة أو المجاملة لهم ، ولغيرهم . وأخيراً أوصيك ونفسي بتقوى الله ، وإتباع السنة ، وأسأل الله عزَّ وجل أن يثبتنا على ذلك حتى نلقاه، وأن يجعلنا ممن لا تأخذهم في الحق لومة لائم ، وصلى الله على نبينا محمد الشافع المشفَّع ، وعلى آله وصحبه ، ومن اتبع سنته ، واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
لخصه محبكم
أحمد بن عمر بازمول الاثنين الموافق 29/ 6/ 1430هـ
وجوب بر الوالدين وتحريم عقوقهما في ضوء السنة النبوية المطهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
أما بعد
فقد جاءت أحاديث كثيرة متواترة تواتراً معنوياً عن النبي r في وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما ، وتحريم أذيتهما فضلاً عن عقوقهما قال النووي : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْأَمْر بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ , وَأَنَّ عُقُوقهمَا حَرَام مِنْ الْكَبَائِر انتهى .
ومع كثرة هذه الأحاديث وتتابعها إلا أننا نجد كثيراً من المسلمين هداهم الله للصواب لا يحسنون بر آبائهم وأمهاتهم بل وللأسف الشديد وما يندى له جبين العاقل الرشيد يؤذون آباءهم وأمهاتهم ويعقونهم فلا هم أحسنوا إليهم ولا هم كفوا شرهم عنهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وسنقف إن شاء الله تعالى على بعض ما جاء في السنة النبوية مما يتعلق بوجوب برهما وتحريم عقوقهما .
فأقول مستعيناً بالله تعالى :
قد بين الله سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين والإحسان إليهما حيث قال تبارك وتعالى]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[ (الإسراء:24)
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (456) : ذكر الله بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[ أي أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان ،القولي والفعلي ؛لأنهما سبب وجود العبد ،ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر ،]إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا[ أي إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف ]فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ[ وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه والمعنى : لا تؤذهما أدنى أذية ]وَلا تَنْهَرْهُمَا[ أي تزجرهما وتتكلم لهما كلاماً خشناً ]وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً[ بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان ]وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ[ أي تواضع لهما ذلاً لهما ورحمة واحتساباً للأجر لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لمالهما ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد ]وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[ أي ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتاً جزاء على تربيتهما إياك صغيراً وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق. انتهى .
وقال تعالى ]وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ (الأحقاف:15)
قال الشيخ السعدي في تفسيره (781) : هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان ،ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين وإنما ذلك مدة طويلة قدرها ثلاثون شهراً : للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا الغالب انتهى.
وقد بينت السنة النبوية أهمية بر الوالدين من وجوه شتى فبين النبي r أن طاعة الله من طاعة الوالدين وأن رضا الرب من رضا الوالدين كما أخرج الطبراني في المعجم الكبير وحسنه الألباني عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال " طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد "
وأخرج الترمذي في السنن والحاكم في المستدرك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ"
قال المباركفوري : قَوْلُهُ : ( رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ ) وَكَذَا حُكْمُ الْوَالِدَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى , ( وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُطَاعَ الْأَبُ وَيُكْرَمَ , فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ , وَمَنْ أَغْضَبَهُ فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ , وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ انتهى.
كما أخبرنا رسولنا الكريم r أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"
ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقد دعا عليه النبي r كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ"
قال النووي : قَوْله r : ( رَغِمَ أَنْف) قَالَ أَهْل اللُّغَة : مَعْنَاهُ ذَلَّ ، وَأَصْله لَصْق أَنْفه بِالرِّغَامِ, وَهُوَ تُرَاب مُخْتَلَط بِرَمْلٍ , وَقِيلَ : الرُّغْم كُلّ مَا أَصَابَ الْأَنْف مِمَّا يُؤْذِيه . وَفِيهِ عَلَى الْحَثّ عَلَى بِرّ الْوَالِدَيْنِ , وَعِظَم ثَوَابه . وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرّهمَا عِنْد كِبَرهمَا وَضَعْفهمَا بِالْخِدْمَةِ , أَوْ النَّفَقَة , أَوْ غَيْر ذَلِكَ سَبَب لِدُخُولِ الْجَنَّة ,فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُول الْجَنَّة وَأَرْغَمَ اللَّه أَنْفه انتهى .
وأخبر النبي r أن بر الوالدين من أسباب زيادة العمر لا نقصه كما أخرج أحمد في المسند عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "
وأخرج ابن ماجه في السنن عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا"
قال السندي : قَوْله ( لَا يَزِيد فِي الْعُمْر إِلَّا الْبِرُّ ) إِمَّا لِأَنَّ الْبَارّ يَنْتَفِع بِعُمْرِهِ وَإِنْ قَلَّ أَكْثَر مِمَّا يَنْتَفِع بِهِ غَيْره وَإِنْ كَثُرَ . وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُزَاد لَهُ فِي الْعُمْر حَقِيقَة بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَارًّا لَقَصُرَ عُمْره عَنْ الْقَدْر الَّذِي كَانَ إِذَا بَرَّ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُون أَطْوَل عُمْرًا مِنْ غَيْر الْبَارّ انتهى .
وأخرج الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ "
قال المباكفوري : قَوْلُهُ : ( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ) قَالَ الْقَاضِي : أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا , وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ , وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّ لِلْجَنَّةِ أَبْوَابًا وَأَحْسَنُهَا دُخُولًا أَوْسَطُهَا , وَإِنَّ سَبَبَ دُخُولِ ذَلِكَ الْبَابِ الْأَوْسَطِ هُوَ مُحَافَظَةُ حُقُوقِ الْوَالِدِ ( فَأَضِعْ ) فِعْلَ أَمْرٍ مِنْ الْإِضَاعَةِ ( ذَلِكَ الْبَابَ ) بِتَرْكِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ ( أَوْ اِحْفَظْهُ ) أَيْ دَاوِمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ . انتهى
وأخرج الترمذي في السنن عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ لَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِرَّهَا "
قد بين النبي r أن الوالد له فضل كبير على ولده لا يجازيه إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه كما أخرج مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ "
قال أبو بكر الطرطوشي الأندلسي :إنما جعل هذا جزاء له ؛ لأن العبد وإن كان حياً كالمعدوم ؛ لأن أوقاته مملوكة عليه مستغرقة ، بحق السيد في استخدامه وتصريفه إياه ثم هو مسلوب أحكام الأحرار في الأملاك والأنكحة وجوازه الشهادات والولايات ونحوها من الأمور وبالعتق يكمل له جميعها فكأن المعتق أوجده من عدم كما أن الولد كان معدوماً فكان الأب سبباً لوجوده وثبوت الأحكام له ولهذا صار العتق أفضل ما أنعم به أحد على أحد انتهى .
بل أخبر r أن الولد ملك لأبيه كما أخرج أبو داود عَنْ عبد الله عمرو أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ وَالِدِي يَحْتَاجُ مَالِي فقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ "
ونبه r إلى أن حق الأم كبير كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبُوكَ "
قال الحافظ ابن حجر : قَالَ اِبْن بَطَّال : مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُون لِلْأُمِّ ثَلَاثَة أَمْثَال مَا لِلْأَبِ مِنْ الْبِرّ , قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل ثُمَّ الْوَضْع ثُمَّ الرَّضَاع , فَهَذِهِ تَنْفَرِد بِهَا الْأُمّ وَتَشْقَى بِهَا , ثُمَّ تُشَارِك الْأَب فِي التَّرْبِيَة . فَسَوَّى بَيْنهمَا فِي الْوِصَايَة , وَخَصَّ الْأُمّ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَة .
وقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْمُرَاد أَنَّ الْأُمّ تَسْتَحِقّ عَلَى الْوَلَد الْحَظّ الْأَوْفَر مِنْ الْبِرّ. انتهى .
قلت : وهنا فهم للحديث لا يصح إذ أن بعض الناس يظنون بأن الأب لا حق له ؟ وهذا خطأ ؛لأن الحديث أفاد أن للأب وللأم حقاً إلا أن الأم لها زيادة في الحق فلم ينف استحقاق الأب للبر وحسن الصحبة فتأملوا هذا جيداً .
ولا شك أن حق الأم لا يقدر فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يماني يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول :
إني لها بعيرها المذلل إن أُذعرتْ ركابها لم أُذعر
ثم قال اليماني : يا ابن عمر :أتراني جزيتها ؟ قال :لا ولا بزفرة واحدة "
والزفير : هو تردد النفس حتى تختلف الأضلاع وهذا يعرض للأم عند الولادة .
وفضل النبي r بر الأم على الغزو في غير الفرض كما أخرجه الإمام أحمد في المسند والنسائي في السنن عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا"
قال السندي : قَوْله ( فَإِنَّ الْجَنَّة ) أَيْ نَصِيبك مِنْهَا لَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا بِرِضَاهَا بِحَيْثُ كَأَنَّهُ لَهَا وَهِيَ قَاعِدَة عَلَيْهِ فَلَا يَصِل إِلَيْك إِلَّا مِنْ جِهَتهَا فَإِنَّ الشَّيْء إِذَا صَارَ تَحْت رِجْل أَحَد فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصِل إِلَى آخَر إِلَّا مِنْ جِهَته وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم .انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
وهنا أنبه إلى أن الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الجنة تحت أقدام الأمهات لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما يصح قوله صلى الله عليه وسلم عن الأم "فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا"
بل جعل طاعة الوالدين من الجهاد كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ :أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ! قَالَ "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "
وفي لفظ لمسلم " عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ قَالَ فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ قَالَ نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا قَالَ فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا"
قال النووي : هَذَا كُلّه دَلِيل لِعِظَمِ فَضِيلَة بِرّهمَا , وَأَنَّهُ آكَد مِنْ الْجِهَاد , وَفِيهِ حُجَّة لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَجُوز الْجِهَاد إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ , أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِم مِنْهُمَا . هَذَا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّن الْقِتَال , وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوز بِغَيْرِ إِذْن . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى الْأَمْر بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ , وَأَنَّ عُقُوقهمَا حَرَام مِنْ الْكَبَائِر انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : قَوْله : ( فِيهِمَا فَجَاهِدْ ) أَيْ خَصِّصْهُمَا بِجِهَادِ النَّفْس فِي رِضَاهُمَا , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَاز التَّعْبِير عَنْ الشَّيْء بِضِدِّهِ إِذَا فُهِمَ الْمَعْنَى , لِأَنَّ صِيغَة الْأَمْر فِي قَوْله " فَجَاهِدْ " ظَاهِرهَا إِيصَال الضَّرَر الَّذِي كَانَ يَحْصُل لِغَيْرِهِمَا لَهُمَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا قَطْعًا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد إِيصَال الْقَدْر الْمُشْتَرَك مِنْ كُلْفَة الْجِهَاد وَهُوَ تَعَب الْبَدَن وَالْمَال , وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ كُلّ شَيْء يُتْعِب النَّفْس يُسَمَّى جِهَادًا , وَفِيهِ أَنَّ بِرّ الْوَالِد قَدْ يَكُون أَفْضَل مِنْ الْجِهَاد , وَأَنَّ الْمُسْتَشَار يُشِير بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَة , وَأَنَّ الْمُكَلَّف يَسْتَفْصِل عَنْ الْأَفْضَل فِي أَعْمَال الطَّاعَة لِيَعْمَل بِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَ فَضْل الْجِهَاد فَبَادَرَ إِلَيْهِ , ثُمَّ لَمْ يَقْنَع حَتَّى اِسْتَأْذَنَ فِيهِ فَدُلَّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ فِي حَقّه , وَلَوْلَا السُّؤَال مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْم بِذَلِكَ .
وقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء : يَحْرُم الْجِهَاد إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدهمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ , لِأَنَّ بِرّهمَا فَرْض عَيْن عَلَيْهِ وَالْجِهَاد فَرْض كِفَايَة , فَإِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَاد فَلَا إِذْن .
وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم السَّفَر بِغَيْرِ إِذْن لِأَنَّ الْجِهَاد إِذَا مُنِعَ مَعَ فَضِيلَته فَالسَّفَر الْمُبَاح أَوْلَى نَعَمْ إِنْ كَانَ سَفَره لِتَعَلُّمِ فَرْض عَيْن حَيْثُ يَتَعَيَّن السَّفَر طَرِيقًا إِلَيْهِ فَلَا مَنْع , وَإِنْ كَانَ فَرْض كِفَايَة فَفِيهِ خِلَاف . وَفِي الْحَدِيث فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْظِيم حَقّهمَا وَكَثْرَة الثَّوَاب عَلَى بِرّهمَا . انتهى .
وهنا ألفت نظر الشاب المسلم الذي يخرج للجهاد دون رضا والديه أو أحدهما ويجعلهما يبكيان عليه ويتألمان على فراقه وبعده ألفت نظره إلى هذه الأحاديث الصحيحة أن يعمل بها ولا يذهب إلى الجهاد إلا بعد إذنهما وتوفر شروط الجهاد المطلوبة؛ بل قد أمر النبي r من أبكى والديه أن يضحكهما كما أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود والنسائي في سننهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَالَ ارْجِعْ عَلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا "
وإن من بر الوالد أن تصل من كان يحبهم بعد موته كما أخرج مسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي في سننهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ
قال النووي : قَوْله : (كَانَ وُدًّا لِعُمَر ) أَيْ صَدِيقًا مِنْ أَهْل مَوَدَّته , وَهِيَ مَحَبَّته .
وَفِي هَذَا فَضْل صِلَة أَصْدِقَاء الْأَب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَإِكْرَامهمْ , وَهُوَ مُتَضَمِّن لِبِرِّ الْأَب وَإِكْرَامه ; لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ , وَتَلْتَحِق بِهِ أَصْدِقَاء الْأُمّ وَالْأَجْدَاد وَالْمَشَايِخ وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة انتهى .
ومن بر الوالد أن لا تسمه باسمه ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله كما أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عروة أن أبا هريرة أبصر رجلين فقال لأحدهما :ما هذا منك ؟ فقال : أبي ! فقال أبو هريرة t : لا تسمه باسمه ، ولا تمش أمامه ولا تجلس قبله "
وقد نهى الله تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } (الإسراء: من الآية23) ففي حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما، وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه، وأمره أن يقول لهما قولاً كريماً وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامهما ويعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده رحمة بهما وإحساناً إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في صغره ووقت حاجته فربياه صغيراً.
وإن عقوق الوالدين من أعظم الكبائر ولقد نهى الله عن التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ فقال تعالى ( فلا تقل لهما أف ) وهي كلمة بمعنى التضجر من خدمتهما وطاعتهما فكيف بمن يعصيهما وكيف بمن يسبهما أو ينهرهما أو يضربهما لا شك أن هذا من أعظم الجرائم وأعظم الكفر بالمعروف والإحسان ( ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ) . وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على العاق فقَالَ صلى الله عليه وسلم " رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ " قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "
وأخبر أن العقوق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ففي البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ " قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
وأخبر بأن العاق ممن لا ينظر إليه يوم القيامة فقد صح عن عليه الصلاة والسلام أنه قال " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى "
ولعن صلى الله عليه وسلم من عق والديه فقال صلى الله عليه وسلم "ملعون من عق والديه"
فأين الذين يعقون آباءهم من هذه الأحاديث بل أين الذين يؤذونهم بالقول والفعل منها بل إن بعضاً منهم ممن نزع الله من قلبه الرحمة يتعرضون لآبائهم بالسب والشتم والأذية بل ويزيد بعض من لا خوف من الله يحجزهم فينهال على أبيه وأمه فيضربهما بيده شل الله يمينه ووالله إن هذا من أعظم العقوق وأفجر الفجور وأقبح الجرائم ولو لا أنا سمعنا وسمع غيرنا بهذا لما كنا نصدق أن ولداً يرفع يده على أبيه أو أمه .
ولربما سمعتم بمن وصل به العقوق إلى أن يفضل زوجته على أبيه أو أمه ولربما بلغ به الضيق بهما على كبرهما بأن يدخلهما دار العجزة والمسنين وربما أدخلهما إلى المستشفى للعلاج ثم لم يرجع إليهما كما قد سمعنا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله . فأي خير يرجوه في الدنيا والآخرة هذا الابن العاق لوالديه ووالله إن مثل هذا لا يفلح فهو معرَّض لعقوبة الله تعالى له في دنياه قبل أخراه فيبتليه بالمصائب في حياته ويعجل له العقوبة فلا يموت إلا وهو قد لقي نتيجة عقوقه وهذا مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ "
فأي قطيعة للرحم أشد من العقوق وأي بغي أشد من إيذاء الوالدين أو أحدهما والاعتداء عليهما .
فاحذر أيها العاق من عقوبة الله العاجلة لك واحذر مكره بك ولا تغتر بقوتك وشبابك مقابل ضعفهما وقلة حيلتهما فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .
وفي الختام : اسأل الله الكريم أن يرزقني وإياكم بر الوالدين، وأن يبعدني وإياكم عن عقوقهما وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وكتبه
د/ أحمد بن عمر بازمول
الأستاذ المساعد بالكلية الجامعية
قسم الدراسات الإسلامية
الأربعاء - 29/ ذو الحجة/ 1430هـ
أصدق المقالة في التمييز بين الحق والجهالة فيما زعمه الليبي مجدي حفالة
للشيخ الدكتور أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ـ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أما بعد : فإن من غربة السلفي الصادق كثرة حصول الأذى له، والافتراء عليه؛ بتقويله ما لم يقله تارة ، أو بنسبة فعل له هو بريء منه براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام . وصدق الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى إذ يقول في وصف أهل الغربة كما في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/ 186-189): أهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع هم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}، فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم ...... فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهاً في سنة رسوله، وفهماً في كتابه، وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم، فأما إن دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه: فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله. فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم. وبالجملة: فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال، صاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف انتهى وإن مما يزيد الغربة شدة والطين بلة أن يقف بعض المنتسبين للعلم جنباً إلي جنب مع هؤلاء الطاعنين في أهل الحق الصادعين به الذابين عنه، وقد صدق العلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله تعالى حين قال في صدع الدجنة في فصل البدعة عن السنة (63) : قد تدبرت أنواع الفساد، فوجدت عامتها نشأت عن إماتة السنن، أو إقامة البدع، ووجدت أكثر المسلمين يبدو منهم الحرص على اتباع السنن واجتناب البدع، ولكن التبس عليهم الأمر، فزعموا في كثير من السنن أنها بدعة، وفي كثير من البدع أنها سنة. وكلما قام عالم فقال: هذا سنة، أو هذا بدعة، عارضه عشرات، أو مئات من الرؤساء في الدين الذين يزعم العامة أنهم علماء، فردوا يده في فيه، وبالغوا في تضليله والطعن فيه، وأفتوا بوجوب قتله، أو حبسه، أو هجرانه، وشمروا للإضرار به وبأهله وإخوانه، وساعدهم ثلاثة من العلماء، عالم غال، وعالم مفتون بالدنيا، وعالم قاصر في معرفة السنة، وإن كان متبحراً في غيرها " وإني أقولها صريحة وأعلنها مدوية لا دفاعاً عن نفسي أو عن بعض إخواني بل دفاعاً عن السلفية وأهلها الصادقين المخلصين : إن بعض السلفيين الصادقين يتعرضون اليوم لحرب شعواء لا هوادة فيها بالطعن فيهم والتحذير منهم والتنفير عنهم ففلان لا تسمعوا له وفلان لا تحضروا له وفلان لا تحضروه وفلان نفروا عنه في سلسلة من الطعونات الباطلة العاطلة والافتراءات الكاذبة الظالمة . في الوقت الذي يصدر فيه بعض المتعالمين الأغرار، وبعض الجهال الصغار، وبعض المفتونين ذوي الإضرار . وهذا مصداقاً لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة " أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/رقم1887) والمتأمل لما يحصل الآن في الساحة السلفية يرى صوراً كثيرة لما ذكر ماثلة أمام عينيه لا تحتاج لقوة بصر ولا لدقة نظر . والخبر ليس كالمعاينة ومن يده في النار ليس كمن يده في الماء ! والألم يشعر به المريض ولا يراه الطبيب !! فإلى الله المشتكى من تلكم الغدرات والفجرات المنهالة على رؤوس السلفيين الصادقين الأبرياء الشرفاء في مشارق الأرض ومغاربها . وما نقم منهم أولئك الطاعنون إلا أنهم سلكوا النهج الواضح السلفي الناصح وكانوا من أخلصهم أمانة وحالاً وأصدقهم مقالة وفعالاً . ووالله ليس بنا هوان ولا ضعف ولا تأخذنا في الله لومة لائم ولكننا لا نسوق الأمة إلى الفتن والمحن والهرج والمرج لأن السلفي الصادق يدعوا إلى الله لا إلى نفسه . وإن بيان الحق ورد الباطل هدي رباني ومنهج نبوي ومسلك سلفي؛ به تتم صيانة العلم عن كل قول عاطل . ولقد كان السلف رضوان الله عليهم يرون الراد على الباطل وأهله مجاهداً في سبيل الله بل من أفضل الجهاد ويعدونه منقبة ويمدحونه ويثنون عليه لنصرته لدين الله وذبه عن حياض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا يرى من رد الباطل وأقام الحق فتاناً إلا من كان عن الحق مفتوناً . ومن المقرر في المنهج السلفي أن كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم . والمقصود : أن كلاً يؤخذ من قوله ما وافق الحق ، ويرد من قوله ما خالف الحق إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فقوله كله حق . لذا كان من القواعد السلفية الأثرية ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله كما في مجموع الفتاوى (13/ 329) : العلم إما نقل مصدق عن معصوم وإما قول عليه دليل معلوم وما سوى هذا فإما مزيف مردود وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود انتهى . وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (12/ 63) :العلم لا بد فيه من نقل مصدق ونظر محقق. وأما النقول الضعيفة لا سيما المكذوبة فلا يعتمد عليها. وكذلك النظريات الفاسدة والعقليات الجاهلية الباطلة لا يحتج بها انتهى وإذا تقرر هذا فمن تلكم النقول الضعيفة المزيفة المردودة ما نسبه إلي أخ أبو مصعب مجدي حفالة الليبي في صوتية بأني أقول في التثبت من خبر الثقة أن ثمت قرائن تحتاج ألا يستعجل المرء ويتأنى إذا لاح أن الذي ينقل له هذا الخبر قد يكون انطلق عن حسد أو كلام أقران أو لعداوة ظاهرة أو لأمر يلوح كقرينة، لا أنه يرد لكنه يتأنى ولا يستعجل حتى يطمئن . أقول : إن الأخ أبا مصعب الليبي أراد أن يُخرج نفسه من الخطأ فألصقه بغيره بطريقة غريبة غير معتمدة عند أهل العلم بل تدل على سوء قصد وذلك من ثلاثة أوجه : الأول : أنه نسب قولاً باطلاً إلى غير قائله وهذا ظلم وافتراء على عباد الله الأبرياء. الثاني : أنه لم يعترف بوقوعه في الخطأ بل نسبه لغيره ليظهر نفسه في مظهر السلامة بالرجوع عن الخطأ . الثالث : أنه أراد أن ينفي عن نفسه الجهل فأوقعها فيه إذ اعترف وأثبت بأنه قد قلد فلاناً من الناس والتقليد جهل عند أهل العلم . وقبل أن أناقش أبا مصعب في نقله المزيف عني أضع بين يدي القارئ كلامي الواضح البين الصريح في هذه المسألة والذي يدل على بطلان ما نسبه إليَّ الأخ حفالة ! فأقول : بأني اعتقد بأن خبر الثقة يجب قبوله ولا يجوز توهيمه بغير بينة وحجة . فقد قلت في كتابي المقترب في بيان المضطرب (82) :الأصل المعتمد عليه هو عدم توهيم الثقة بلا حجة قال المازري في المعلم (2/145) عن تخطئة الرواة بلا دليل : سوء ظن بالرواة، وتطريق إلى إفساد أكثر الأحاديث انتهى وقال القرطبي في المفهم (5/16) : الأَوْلَى أن لا يغلط الراوي العدل الجازم بالرواية ما أمكن انتهى وقال أيضاً في معرض رده على من رد حديثاً بالتوهم كما في المفهم (3/10) : هذا لا ينبغي أن يرد الخبر له؛ لأنه وهم وظن غير محقق بل هو مردود. بل المعتمد ثقة الراوي وأمانته انتهى وهذا الكلام كتبته بفضل الله تعالى في رسالتي الماجستير وكانت مناقشتها عام 1419هـ فهو منهجي الذي أعرفه قبل ف أوائل طلبي للعلم ولم أتغير عنه . كما قد قررت هذه المسألة في كتابي صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات الحلبي (258-284) بقولي : ومن القواعد الباطلة التي أراد الحلبي تقريرها قاعدة : (رد خبر الثقة، والتشكيك فيه) وكانت طباعة هذا الكتاب عام 1430هـ وحلقاته نشرت في المنتديات السلفية منها منتدى البينة السلفية وذلك عام 1429هـ وقررتها بوضوح وجلاء يراه الأعمى ويسمعه الأصم ويفهمه البليد في جلسة علمية سلفية كانت بعنوان الأجوبة المسددة وقد تم نشرها في المنتديات السلفية ومنها منتدى البينة السلفية تقريباً عام 1434هـ. وإليك نص السؤالين مع الإجابة عليهما : السؤال الحادي عشر : بعضهم يقول ويقرر بأن الثقة قد يغفل فلذلك يجب التثبتثم يقول ليس هذا رداً لخبر الثقة ؟ الشيخ أحمد بازمول : هو ليس رداً لخبرالثقة بل هو يعني تلاعب بخبر الثقة الأصل عند العلماء الأصل القاعدة عند العلماء أنالثقة قد حفظ وأن الثقة قد نقل الشئ بضبطه وتوهيم الثقة عندهم خلاف الأصل لا يقبلإلا بحجة وبرهان وإضعاف خبر الثقة بقضية التثبت منهج باطل ولابد أن نفرق بين منهجينمنهج حق ومنهج باطل المنهج الباطل أن تقول هو ثقة لكن أريد أن أتثبت فلاتقبل قوله إذا فى الحقيقة أنت رددت قوله ولم تقبله فهذا منهج باطل . طيبجاءني الثقة وأخبرني وقبلت خبره ثم أيضاً سألت بعد قبولي لخبره لا مانع من هذا لامانع من هذا وسؤالك ليس من باب الطعن فى خبر الثقة وإنما من باب زيادة العلم وزيادةالعلم لا مانع منها فبعض الناس يجعل التثبت من خبر الثقة ليس من باب رده بل من بابالإطمئنان إذا ما الفرق بين خبر الثقة وبين خبر الفاسق أو المجهول مافى فرق عندك ياكاذب يا متلاعب . أما كوني أقبل خبر الثقة ومع قبولي له وعملي به أتثبتزيادة لا مانع من هذا عند أهل العلم لا أحد يقول لك لا تثبت لكن يقولون لكلا ترد خبر الثقة إلا بحجة وبرهان أما قول أنه ربما يهم فهذا التوهيم خلاف الأصلفأن يجعل خلاف الأصل أصلاً وأن يجعل الأصل خلاف الأصل قول باطل ومنهج عاطل ما هذاالتلاعب بدين الله وبمنهج السلف رضوان الله عليهم هذه يا إخواني تأصيلاتباطلة تسري بين صفوف الشباب من تأصيلات المأربي وأتباعه وأذنابه وفلوله ومن تأصيلاتالحلبي وأذنابه واتباعه وفلوله ومن تأصيلات يعني مثل عدنان عرعور ومثل المغراويومثل هؤلاء من اهل الباطل من أتباع جمعية إحياء التراث فالحذر الحذر يا إخوان الحذرالحذر يا معشر السلفيين من مثل هذه التأصيلات الباطلة العاطلة التي والله للأسفأصبح الكثير من شبابنا اليوم كثير من شبابنا اليوم يتهموننا وكأننا مجرمون ويعظمونأهل الباطل وكأنهم هم السلفيون . ولكن هذه غربة وهذا في ذات الله أحب إليناوالله من العسل ، وأحلى عندنا والله من العسل، وأحب إلينا والله من الماء الباردولكن نحزن والله على حال إخواننا السلفيين أن يكونوا هكذا معنا وما نرجو والله لهمإلا الخير فنحن ننصح فإن تبيّن لهم هذا الأمر ورجعوا إلى الله عز وجل ورجعوا إلىالحق فهذا الأمر والله أحب إلينا .وإن أصرّوا على باطلهم وطعنوا في أهلالحق فوالله هذا الأمر في ذات الله عز وجل واسأل الله عز وجل لي ولكم الإخلاص فيالقول والعمل هو والله أحب إليّ من كل شئ والله مادام أنه فى ذات الله والله لاالتفت ولا أكترث بهم ومادام أعلم أن هذا هو الذي عليه السلف الصالح والله لا أنثنيعنه لحظة ولا أتراجع عن الحق بل أسال الله عزوجل أن يثبتني وإياكم على الحق إلى أننلقاه وأن يحشرنا مع النبيين والصدقيين والشهداء والصالحين ومع أئمتنا من السلفالصالح رضوان الله عليهم أجمعين . أم هذه التأصيلات الباطلة التي وردت فىهذه الأسئلة فهذه والله نذير سوء ونذير شؤم على هذه الأمة أن يظهر فيها شباب ينتمونللمنهج السلفي وهم مؤصلون على الباطل فإذا سيصبحون ذئاب فى جثمان أنس فنسأل الله أنيحمي المنهج السلفي وأن يحمي أهله من مثل هذه التأصيلات الباطلة .السائل : إذا جاء الخبر عن الثقة فى رجل ما هللنا أن نقبله أو نتثبت فيه لإعتبارات كأن يكون لهذا الثقة إرادات سيئة يريد إسقاطهأو يكون قد فهم خطأ أو نحو ذلك من الإيرادات السيئة ؟ الشيخ أحمد بازمول : نعم هذه عند العلماء تسمى قرائن تسمى قرائن إذا جاء خبر الثقة واحتفت به قرائن تدلعلى وهم تدل على مثلاً سوء نية تدل على إرادة خلاف الظاهر, العلماء حينها ينظرونويتحققون فإن ثبت الأمر عاملوه بما يستحق ولم يعاملوه من باب خبر الثقة الصرف لكنلابد أن نبين أمور الأمر الأول : أن هذا لا يكون أصلا بمعنى لا يجعل كلامالثقة دائما من باب يعني أن هناك إرادات وهناك وهناك إلى أخره هذا أمر . الأمر الثاني : أن هذا إنما يحدده العلماء ويحدده طلاب العلم الذين يميزونبين الحق من الباطل . الأمر الثالث : لابد أن تكون هذه القرائن قوية وواضحةلا إحتمال وظن فإن اليقين لا يزول بالظن فخبر الثقة يقين عندنا ولا يزول بمثل هذهالظنون أما القرائن طبعاً خبر الثقة يقين عندنا باعتبار حكمنا فى الظاهر أما الباطنفأمره إلى الله عزوجل فنحن مطالبون بأن نعمل به وأن نأخذ به وأنه حق مالم يتبينخلافه وأما القرائن إذا اجتمعت وظهر أمرها وتبين أن هناك نوع من التلاعب بخبر الثقةفلا مانع من العمل بها لدى أهل العلم و الله أعلم انتهى وبعد أن بينت موقفي من خبر الثقة الموافق لمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم والذي يسير عليه شيخنا الإمام ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله تعالى أبين ما في بيان الأخ حفالة من وَهْمٍ وإيهامٍ وعدم موافقته للواقع ولا مطابقته للحال. قال الأخ حفالة : مصادرنا هي إما أن يكون مكتوبا كتابة، وإما أن يكون صوتيا وإما خبر الثقة الذي لا يتزحزح عن محفوظه، فإذا كان هذا الذي نقل الكلام قلنا هذا أين؟ قال هذا في درسه، فإذا كان الدرس مسجلا طلبنا المادة المسجلة للدرس، لا، أن هذا الرجل ليس بثقة، وإنما قد يكون فهم من الدرس فهما ليس صوابا، فلتراجع المادة الدرس من أجل الاطمئنان إلى صحة ما نقل ليس ردا لكلامه، وهذا التثبت هو وصول للحق لا لأجل رد الحق أقــــول : قولك (وإنما قد يكون فهم من الدرس فهما ليس صواباً ....) هذا هو عين قول المأربي والحلبي وأشباههما وهو ما يبين بطلانه السلفيون ومنهم شيخنا الإمام ربيع المدخلي لما فيه من التشكيك في خبر الثقة بلا حجة ولا بينة. قال الأخ حفالة : ولذلك العلماء كما ترى يردون على المخطئين من كتبهم وأشرطتهم ولم يكتفوا بخبر فلان أو فلان، بمعنى أنه إذا أراد أن يرد عليه فإنه يطلع على كلامه من صوته أو من كتابته. أقــــول : هذا ليس بصحيح على إطلاقه بل فيه تلبيس وإيهام بأن العلماء لا يقبلون خبر الثقة إلا بعد التثبت . وهذا عين فرية أهل الباطل. وأنت يا أخ حفالة لم تفرق بين قبول خبر الثقة وزيادة الاطمئنان في خبر الثقة. فوقوف العلماء على المكتوب أو المسموع ليس من باب عدم الاكتفاء بخبر الثقة أو الشك فيه بل من باب زيادة الاطمئنان ؛ لذا هم لا يعيبون على من قبل خبر الثقة وإن لم يرجع لمكتوب أو مسموع . قال الأخ حفالة : فأردت من هذا أن الإنسان في مثل هذه الأمور، لأنه قد يوجد من له غرض في بث شيء يريد أن يحدثَ به بلبلةً أو فتنةً، فأنت لا تكن عَجِلا عليك أن تتأمل في الأمر انظر فيه وتراجع المادة المعزوة صوتا أو كتابة، وأيضا تراجع أهل العلم في هذه المسألة التي سمعتها، وأهل العلم يقولون لك أو يخبرونك بأن هذا الكلام حق أو باطل، صواب أو خطأ ليس هذا من باب رد خبر الثقة أقــــول : هذا الكلام كما سبق هو من باب التشكيك في خبر الثقة بلا حجة . وأنت هنا تضع شروطاً لقبول خبر الثقة : ما أنزل الله بها من سلطان ولا سبقك إليها عالم سلفي من التوقف والتأمل ومراجعة أهل العلم . فهذه ليست شروطاً لقبول خبر الثقة بل الشارع إنما جعلها شرطاً في خبر الفاسق فأنت قد ساويت بين العدل والفاسق . وإلا فأخبرني ما الفرق بينهما إن كنت صادقاً . وأما قولك (ليس هذا من رد خبر الثقة) فهو من تناقض كلامك إذ أنك لا تقبله إلا بهذه الشروط فأنت رددت خبر الثقة ولم تقبله إلا بشروطك فكأن الخبر المقبول عند الأخ حفالة هو ما وافقه شرطه وإلا فهو مردود . قال الأخ حفالة : ، لا، خبر الثقة قامت به العقائد والأحكام، وقد ذكرنا غير مرة هذا الكلام واستدللنا عليه أيضا بأن شبهة رد خبر الثقة هذه من المعتزلة الذين أدخلوا شكوكًا في أخبار الثقات أقــول : هذا الكلام لا ينفعك ولا تَعَلُّقَ له بشروطك السابقة بل هي مجرد فلسفة وتحذلق زائد . وهو تأكيد لتناقضك . قال الأخ حفالة : والله عز وجل أمر بالتثبت من خبر الفاسق: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} وأيضا أمر بالتثبت حتى خبر الفاسق قد يصدق الفاسق لكننا نتبين منه، دل ذلك في مفهوم الآية أن خبر العدل لا نتبين منه هكذا هذا خبر الثقة لكن ذكرت أن الكلام إذا كان مكتوبا أو مسموعا فليقف على المسموع أو المكتوب، فإنه قد يؤتى الشخص من سوء فهمه، أو قد يؤتى من جهله، وقد يؤتى من سوء قصده، وهذه أسوؤها التي هي الثالثة أن يكون المرء سيئ القصد أقـــــول : قولك (أمر بالتثبت حتى خبر الفاسق ، قد يصدق الفاسق) أي أن الله أمرنا بأن نتبين صدقه من كذبه وهذا حق . ولكن لما كان نادراً لم يجعل الشارع الأصل في خبر الفاسق القبول بل لابد من التبين والتثبت . وكأنك تلوح أن العدل قد يخطئ وإن كان مقبول الخبر فلابد من التثبت في خبره . أقول لك يا الأخ حفالة لقد ركبت أمراً صعباً وأزلقت نفسك مزلقاً مهلكاً ؛ إذ حقيقة قولك معارضة قول الشارع الذي أطلق قبول خبر الثقة ولم يقيده بشروطك فاتق الله في نفسك . ونحن نقول بأن العدل قد يخطئ ولكن خطأه خلاف الأصل ، والأصل صدقه فمن هنا قُبل خبره . وإلا فقل لي ما الفرق بين خبر العدل والفاسق عندك إذ أنت ساويت بينهما في التبين. وقولك (فإنه قد يؤتى الشخص من سوء فهمه ...) هذه كلها وساوس وشكوك خلاف الأصل. قال الأخ حفالة : لكن الظلم ظلمات، والكذب والافتراء لا يكون منهجا قويما، فعلى الإخوة جميعا أن المسائل ينبغي أن يقف على صدق أمرها، أما أن تلبس المسائل وتكون ليست مسائل صحيحة فلا شك أن هذا من الظلم والله يقول: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما». أقول : هذا من رد حفالة على حفالة . فأنت فيما نسبته إلي وقعت فيما حذرت منه . وليت من يزعم بأنه سلفي يراجع مواقفه تجاه إخوانه السلفيين في ليبيا فكم وقع عليهم الضرر من تصرفات ظالمة وأكاذيب باطلة ومحاربتهم بشتى الصور . فالظلم ظلمات يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . قال الأخ حفالة : لكني ذكرت أن ثمت قرائن تحتاج ألا يستعجل المرء ويتأنى إذا لاح أن الذي ينقل له هذا الخبر قد يكون انطلق عن حسد أو كلام أقران أو لعداوة ظاهرة أو لأمر يلوح كقرينة، لا أنه يرد لكنه يتأنى ولا يستعجل حتى يطمئن، هذا الذي ذكرته، هذا الكلام الذي ذكرته هو نفسه تعرض إليه الشيخ أخونا أحمد بازمول -وفقه الله- لما عُرض عليه السؤال في هذا فقال: هذا من القرائن التي تجعل العالم أو طالب العلم يتأنى ولا يستعجل، هذا من القرائن، أقــــول : قد ذكرت فيما سبق نص السؤال ، وكان جوابي صريحاً في إبطال ما نسبه إلي الأخ حفالة . ولكني هنا أريد أن أوضح الفرق بين قولي الموافق لقول السلف وبين قول الأخ حفالة الباطل الذي تراجع عنه ونسبه إلي بغير حجة وبرهان ؛ وهذا من غرائبه ففي الوقت الذي يشترط شروطاً لقبول خبر الثقة فهو أول من لا يطبقه ولا يسلكه . فأنا أقول : بوجوب قبول خبر الثقة وأنه الأصل وأن اشتراط التثبت من خبر الثقة لقبوله تلاعب ومنهج باطل . وأنه إن وجدت قرائن قوية لا احتمال فيها فإن اليقين لا يزول بالظن فخبر الثقة يقين عندنا ولا يزول بمثل هذهالظنون. وأن هذا لا يكون أصلا بمعنى لا يجعل كلامالثقة دائما من باب يعني أن هناك إرادات وهناك وهناك إلى آخره .. وأما الأخ حفالة : فإنه يشترط التثبت ابتداء طلباً للقرينة وإن لم تظهر ويجعلها أصلاً وشرطاً لقبول خبر الثقة. فظهر بهذا الفرق بين كلامي الموافق للحق وكلامه المبني على الباطل . ثم يا أخ حفالة القاعدة المقررة أن كلام العالم يستدل له ولا يستدل به . فأنت تستدل بما نسبته لي بغير حق وتجعله حجتك في وقوعك في الباطل هذا أسلوب عجيب غريب . ثم ما الداعي لذكر أحمد بازمول أو غيره أنت أخطأت تراجع عما أخطأت فيه ولا تقذف ببلائك على الأبرياء . قال الأخ حفالة : ثم أنا عرضت السؤال على الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -وفقه الله- فقال: خبر الثقة يقبل، وفهمت منه أن لا يفتح هذا الباب لإضعاف خبر الثقة ثم قال لنا: والثقة قد يخطئ وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، فقد يخطئ. ففهمت من الشيخ إغلاق هذا الباب، أقـــول : هذا أسلوب غير صادق ولا لائق من الأخ حفالة حيث أشَعَر أن كلامي مخالف لكلام الإمام ربيع المدخلي حفظه الله تعالى وفي الواقع أني موافق له ولمذهب السلف الصالح بحمد الله تعالى . وأراد الأخ حفالة أن يوهم السامع زيادة على ما افتراه علي بأن لازم قولي أني أضعف خبر الثقة . وهذا والله من العجائب فمن نعمة الله علي أنني حاربت هذا المنهج الباطل المتلاعب بخبر الثقة الذي كان عليه الأخ حفالة من بدايات تصدري للتدريس والتأليف بحمد الله تعالى . وأما قول الأخ حفالة (وفهمت منه أن لا يفتح هذا الباب ...) فأقول هذا ما كان يصرح به شيخنا الإمام ربيع المدخلي حفظه الله تعالى في دروسه ومؤلفاته وفتاواه ومن ذلك قوله حفظه الله تعالى : هذا المذهب الذي يسمونه بالتثبت مذهب كاذب.التثبت الذي لا يريد الوصول للحقيقة وإنما يريد رد الحق فيرد الحق ولا يتثبت فيتخذهذه حجة وليس ممن يتثبت ليصل إلى الحق والحقيقة وإنما ليرد الحق انتهى . وقول شيخنا الإمام ربيع المدخلي : والثقة قد يخطئ مراده أن الغالب إصابة الثقة فهو الأصل ، وأما خطؤه فخلاف الأصل ولابد له من حجة وبرهان . قال حفالة : فعلى هذا الذي قلته في ذلك الدرس أرجع عنه لكلام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وألا نفتح بابا لإضعاف الاحتجاج بخبر الثقة، فأنا صائر إلى ما قاله الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حول هذه المسألة، وقد أخبرتك أن هذا من القرائن التي أشار إليها أخونا الشيخ أحمد على أنها من القرائن التي تجعل المرء يتأنى ولا يستعجل أقــــول : هذا الكلام الباطل كما سبق يوهم فيه الأخ حفالة أن كلامي مخالف لكلام الإمام ربيع المدخلي وقد أثبت لك أن كلامي موافق لكلام الإمام ربيع المدخلي حفظه الله تعالى . وكلام الأخ حفالة (وأن هذا من القرائن التي أشار إليها أخونا الشيخ أحمد) يؤكد ما سبق وأن ما ذكرته من أن الأخ حفالة يريد أن يلصق بي القول بإضعاف خبر الثقة وأني أقول بذلك وهذا للأسف محض افتراء لا حقيقة له فأشبه الهراء . وقول الأخ حفالة (أرجع عنه) أي أرجع عن قول أحمد بازمول هو في حقيقة الأمر رجع عن قول المأربي الذي كان عليه سابقاً إلى قول أحمد بازمول الموافق لقول الإمام ربيع المدخلي حفظه الله تعالى قال الأخ حفالة : إذن فليبلغ الشاهد الغائب أني ما ذكرته في شرح الوصايا من أن قد يكون هناك قرائن وجود حسد، وجود نية سيئة، وجود عداوة فإنه يستعجل ويتأنى الذي ذكرته قد رجعت عنه إلى الأصل الأصيل وهو خبر الثقة يحتج به ويقبل، وليس من شرط الثقة ألا يخطئ، فإن الثقة قد يخطئ. هذا رجعت عنه إلى كلام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي أقــــول : هذا يؤكد ردي السابق على كلامك الباطل سابقاً . وقد ذكرته وتراجعت عنه لكنك وقعت في نسبته لي بغير حجة وبرهان والله المستعان .
كتبه
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بازمول
الخميس 8 رمضان 1436 هجري
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فقد منَّ الله عليَّ بتدريس كتاب المقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في إحدى الدورات العلمية بمكة، وعند الانتهاء من تدريسها لخصت القواعد والضوابط والفوائد التي احتوتها هذه المقدمة؛ لأنها مع اختصارها إلا أن شيخ الإسلام رحمه الله لشدة تمكنه من العلم قد توسع وتشعب في بعض المواضع ـ زيادة للبيان والإيضاح ـ مما قد لا يستطيع معه الطالب المبتدئ فهم القاعدة .
وإليك القواعد والضوابط من مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام مرتبة على مباحث المقدمة نفسها :
(المقدمة)
ـ كتب التفسير مليئة بالأحاديث الضعيفة والواهية والأقوال التي لا دليل عليها .
ـ العلم إما نقل مصدق (أي نقل جاء من طريق مقبول: حسن أو صحيح) عن معصوم (هو الرسول ﷺ ) وإما قول (أي قول صحابي فمن بعده) عليه دليل معلوم وما سواهما فإما مزيف مردود (أي باطل) وإما موقوف لا تعلم صحته من ضعفه .
فصل (بيان النبي r لمعاني القرآن) :
ـ على المشتغل بالتفسير أن يعلم أن النبي r بيَّن لأصحابه معاني القرآن قولاً وفعلاً وإقراراً (وفائدة هذا : أن المفسر عليه أن يبحث عن المعنى في القرآن والسنة قبل أن يهجم على التفسير)
ـ كلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر .
ـ تفسير التابعي شيء أخذه من الصحابي وآخر قاله باجتهاده .
فصل (اختلاف السلف في التفسير)
ـ الاختلاف نوعان :
اختلاف تضاد : وهذا مذموم .
و اختلاف تنوع : وهذا ليس بمذموم لأنه اختلاف في اللفظ مع اتحاد أو تقارب المعنى .
ـ غالب اختلاف عبارات السلف هي من اختلاف التنوع لا التضاد .
و اختلاف التنوع له حالتان :
أ ـ أن تكون الكلمة لها عدة صفات فيذكر أحدهما صفة تدل على معنى والآخر صفة على معنى آخر .
ب ـ أن تكون الكلمة عامة يدخل فيها أفراد كثيرون فيذكر أحدهما فرداً و يذكر الآخر فرداً أو تكون الكلمة من باب : المشترك اللفظي أو المتواطيء اللفظي أو المترادفات .
ـ (قاعدة في الأسماء والصفات) :
كل اسم من أسماء الله يدل على ثلاثة أشياء :
أحدها : على الذات المسماة .
ثانيها : والصفة التي تضمنها الاسم .
و ثالثها : على صفة أخرى جاءت في اسم آخر .
ـ (الدلالة اللفظية) الدلالات اللفظية ثلاثة أنواع :
دلالة مطابقة .
و دلالة تضمن .
و دلالة لزوم .
فمثلاً : اسم الخالق :
يدل على الذات المسماة وعلى صفة الخلق : دلالة مطابقة .
و يدل على الذات المسماة فقط أو الصفة : بدلالة التضمن .
و يدل على صفة أخرى كالقدرة : بدلالة الالتزام .
ـ نزول القرآن :
نزول ابتدائي : أي بلا سبب .
نزول سببي : إما لسؤال وإ ما لبيان واقعة وحادثة .
ـ ألفاظ أسباب النزول على نوعين :
صريحة : أن يقول حصل كذا فأنزل الله كذا .
و غير صريحة : أن يقول نزلت هذه الآية في فلان .
و هذا غير صريحة إذ يحتمل أن يكون مراده نزلت في حكمه وحالته لا فيه نفسه .
ـ العبرة بعموم السبب لا بخصوص اللفظ .
ـ من قال العبرة بخصوص اللفظ لم يقصد أنها مختصة فيمن نزلت فيهم دون غيرهم .
ـ معرفة سبب النزول تعين على فهم الآية .
ـ قول الصحابي : نزلت هذه الآية في كذا هل له حكم الرفع أم الوقف .
ـ الترادف في اللغة قليل وفي ألفاظ القرآن نادر أو معدوم .
ـ إذا عدي الفعل بحرف معنى آخر غير المعروف له :
فهذا معناه أن الفعل ضمن معنى فعل آخر عند نحاة البصريين وهذا هو الصواب .
أو أن الحرف ضمن معنى حرف آخر كما عند الكوفيين .
ـ إذا أردت أن تفهم معنى الآية فاجمع كلام السلف في الآية .
ـ لم يقع الخلاف في ضروريات الدين بل هو متواتر .
ـ الاختلاف في مسائل محصورة لا يعني عدم صحة بقية المسائل في الباب .
ـ للاختلاف أسباب :
منها : خفاء الدليل ومنها : الذهول عن الدليل ومنها : عدم السماع بالدليل ومنها : الغلط في فهم النص ومنها : اعتقاد معارض .
(فصل : في نوعي الاختلاف في التفسير)
ـ سبب اختلاف المفسرين ـ بعد عصر السلف الصالح ـ اعتمادهم على أمرين :
أ ـ الدليل النقلي .
ب ـ الدليل العقلي الاجتهادي .
ـ والنقل : إما عن معصوم وهو الرسول ﷺ وإما عن غير معصوم وهم الصحابة والتابعون
ـ وهذا الدليل النقلي له حالتان :
أ ـ ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف فيؤخذ الصحيح ويرد الضعيف .
ب ـ المتوقف في قبوله ورده وهو ما لا يمكن الجزم بصدقه كالإسرائيليات .
و غالب هذا من فضول العلم بحيث لا يضر جهله ولا تنفع معرفته .
ـ ما يحتاجه المسلمون (الضروري من أمور دينهم): فهو معروف واضح لا خلاف فيه .
ـ قد يقع الخلاف في مسائل يحتاج إليها بقلة أو نادراً .
ـ تفسير الصحابي حجة لما يلي :
1/ الظاهر أنه أخذه عن النبي ﷺ .
2/ أنه لم ينقله عن أهل الكتاب .
خاصة وأن الصحابة لا يعتمدون على الإسرائيليات ولا ينقلونها إلا في القليل النادر .
3/ أنه يجزم بتفسير الآية ؛ وهم معروفون بورعهم وخوفهم من الله .
فلو كان أخذه عن أهل الكتاب ـ وقد أمر بعدم التصديق وبعدم التكذيب ـ فلو كان أخذه عن أهل الكتاب لم يجزم .
ـ إذا فسر التابعي الآية ولم نعلم صحة قوله نتوقف فيه كما في الروايات الإسرائيليات .
ـ قول الإمام أحمد ثلاثة أمور ليس لها إسناد : التفسير والملاحم والمغازي له توجيه :
خلاصته : أن الخبر المنقول قد يكون باعتبار سند واحد ضعيف لكن إن ضم وجمع بعضه إلى بعض تحققنا صدق الخبر المنقول .
و ذلك أن الخبر المنقول له ثلاثة أحوال :
ما رواه الثقة فيقبل .
و ما رواه الكذاب فيرد ولا يقبل .
و ما رواه المجهول أو من لا يحفظ فهذا ينظر فيه :
إن وجدنا له متابعاً أو شاهداً تقوى ما حصلت فيه المتابعة .
و إن لم نجد ما يقويه من متابع أو شاهد توقفنا فيه فلا نصدقه ولا نكذبه .
ـ الضعيف يتقوى بشروط :
1/ أن يأتي من طرق مختلفة متعددة .
2/ أن يكون سبب الضعف يسيراً خفيفاً .
3/ أن لا يقع التواطؤ والاتفاق .
ـ وإذا توبع الضعيف فلا يخلو من حالتين :
الأولى : أن يتابع على جميع ما روى فتقوى جميع خبره .
الثانية : أن يتابع على بعض ما روى فيتقوى ما توبع عليه والباقي يتوقف فيه .
ـ أن الثقة الحافظ قد يخطئ ويهم لكن لا بد من بيان الدليل على خطئه .
ـ أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق .
ـ أعلم الناس بالتفسير أهل مكة وأهل الكوفة وأهل المدينة .
فائدة هذا : أننا قد نرجح عند الاختلاف قول بعضهم لأنهم أعلم الناس به .
ـ جمهور أحاديث الصحيحين مقطوع بصحته لأن الأمة أجمعت على تلقي ما فيهما بالقبول
ـ خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم بصحته بإجماع السلف والمحدثين .
(فصل : النوع الثاني : الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال)
ـ سبب الخطأ في التفسير بالرأي والاجتهاد أمران :
الأول : أن المفسر قد يعتقد رأياً ويفسر القرآن على رأيه ويحمله عليه دون النظر هل الآية تدل عليه أم لا .
الثاني : أن المفسر قد يفسر القرآن بمجرد لغة العرب دون مراعاة لسياق الآية والمراد بها .
ـ من فسر القرآن على رأي اعتقده دون أن تدل الآية عليه لهم طريقتان :
أ ـ تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به .
ب ـ وتارة يفسرونه بمعنى لم يدل عليه ولم يرد به .
ـ من لم يتبع مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم كان مخطئاً في ذلك بل مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه .
(فصل : أحسن طرق التفسير)
(فصل : في تفسير القرآن بأقوال التابعين)
ـ أصح طرق التفسير :
أ ـ أن يفسر القرآن بالقرآن .
ب ـ أن يفسر القرآن بالسنة النبوية .
كما أخرج البخاري في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
فهذا الحديث فيه تفسير القرآن بالقرآن وفيه تفسير القرآن بالسنة لأن النبي ﷺ وضح للصحابة المراد بالظلم .
ج ـ أن يفسر القرآن بأقوال الصحابة .
د ـ أن يفسر بأقوال التابعين .
د ـ أن يفسر بلغة العرب والرأي المحمود بشروطه المعتبرة .
ـ الروايات الإسرائيلية تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا لِلِاعْتِقَادِ .
ـ الروايات الإسرائيلية عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
" أَحَدُهَا " مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ مِمَّا بِأَيْدِينَا مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ فَذَاكَ صَحِيحٌ .
و " الثَّانِي " مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا عِنْدَنَا مِمَّا يُخَالِفُهُ .
و " الثَّالِثُ " مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ لَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَلَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَذِّبُهُ وَتَجُوزُ حِكَايَتُهُ .
وَغَالِبُ ذَلِكَ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ تَعُودُ إلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ .
ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما : التفسير على أربعة أوجه :
وجه تعرفه العرب من كلامها .
و تفسير لا يعذر أحد بجهالته .
و تفسير يعلمه العلماء .
و تفسير لا يعلمه إلا الله تعالى .
وكتبه
د/ أحمد بن عمر بازمول
الأستاذ المساعد بجامعة أم القرى
الكلية الجامعية – قسم الدراسات الإسلامية
الأربعاء 29/ ذو الحجة / 1430هـ
إعلام العباد بأن الشيخ العلامة ربيع المدخلي حامل راية الجهاد ضد أهل البدعة والعناد
لفضيلة الشيخ أحمد بازمول
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار . أما بعد : فالعلماء "ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" وذُكِرَ إبراهيم والشعبي عند ابن عون فقال:" كان إبراهيم يسكت فإذا جاءت الفتن أو الفتيا انبرى لها، وكان الشعبي يتحدث ويذكر الشعر وغير ذلك فإذا جاءت الفتنة أو الفتيا أمسك". أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/363). وقال ابن قيم الجوزية في مفتاح دار السعادة (1/271) :"الجهاد نوعان : جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير . والثاني : الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين ؛ لعظم منفعته وشدة مؤنته وكثرة أعدائه".انتهى وقال الشيخ ابن عثيمين في كتاب العلم (23) :" لا شك أن طلب العلم من أفضل الأعمال، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ولا سيما في وقتنا هذا حين بدأت البدع تظهر في المجتمع الإسلامي وتنتشر وتكثر، وبدأ الجهل الكثير ممن يتطلع إلى الإفتاء بغير علم، وبدأ الجدل من كثير من الناس، فهذه ثلاثة أمور كلها تُحتم على الشباب أن يحرص على طلب العلم. أولا: بدع بدأت تظهر شرورها. ثانيًا: أناس يتطلعون إلى الإفتاء بغير علم. ثالثًا: جدل كثير في مسائل قد تكون واضحة لأهل العلم لكن يأتي من يجادل فيها بغير علم" انتهى . ومن هؤلاء العلماء المجاهدين في سبيل الله: شيخنا العلامة المتقن المتفنن ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله تعالى . وقد أثنى العلماء السلفيون على الشيخ العلامة ربيع بن هادي عمير المدخلي حامل لواء الجرح والتعديل بحق وعدل وإنصاف. وليس لمثلي أن يزكي الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي؛ لأني أعرف قدري أمام هذا الجبل الشامخ وهذا البحر الذي نفع الله به العباد والبلاد، فقد حارب الشرك ونصر التوحيد، وقمع البدعة ونشر السنة، ووقف في وجه الرافضة والمتصوفة والمتحزبة بل وقف في وجه كل من حاول المساس بالدين الإسلامي على قدر جهده وطاقته، وقد وفقه الله في ذلك . ومن هنا وصفه أهل العلم بأنه مجاهد حامل راية التوحيد والسنة، وحامل راية الجرح والتعديل . وبتلكم المنقبة العظيمة وصفه العلماء الأجلاء بحق وعدل وإنصاف! يحسبونه كذلك ولا يزكون على الله أحداً. فأحببت أن يقف إخواننا السلفيون على أقوال أهل العلم في وصفه بذلك. فممن وصفه بذلك : 1- الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى بقوله :" إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر وبحق هو أخونا الدكتور ربيع، والذين يردون عليه لا يردون عليه بعلم أبداً، والعلم معه ". انتهى 2- والشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى بقوله :" بحمد لله أهل السنة يغربلون المجتمع غربلة، الشيخ ربيع، لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، الشيخ ربيع في أرض الحرمين ونجد، نعم بحمد الله يغربل الحزبيين غربله ويبيّن ما هم عليه)). انتهى 3- والشيخ العلامة مفتي جازان أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله تعالى بقوله :" الشيخ ربيع رجل مجاهد جزاه الله خيراً، وأنا أغبطه بجهاده في نشر السنة، وقمع البدع وأهلها، واهتمامه بالسنة ونشرها بكل ما يستطيع؛ أسأل الله أن يجزيه عن ذلك خير الجزاء، ومن أجل ذلك، فأنا وجميع أهل السنة نحبه)). وقال أيضاً رحمه الله تعالى :"الشيخ ربيع درس في المعهد، وأنا ممن درسه في المعهد، ولكن الشيخ ربيعاً خير مني؛ لأنه مجاهد في إحياء السنن، وإماتة البدع، والرد على المبتدعين، وخصّص نفسه لهذا الشيء، نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى)). وقال أيضاً رحمه الله تعالى :" إن الواجب على من عرف من نفسه القدرة على تمييز الحق من الباطل، والسنة من البدعة أن يقوم بذلك، ولعل الشيخ ربيع ممن جرب نفسه في هذه المواقف الجهادية فنجح ولله الحمد…". وقال أيضاً رحمه الله تعالى :" الشيخ ربيع معروف بجهاده في إظهار السنة والرد على المبتدعين". وقال أيضاً رحمه الله تعالىفي تقديمه لرد الشيخ ربيع على الضال الرافضي حسن فرحان المالكي:" فتصدى له الشيخ ربيع بن هادي المدخلي الذي مارس هذه المعامع من زمن طويل جهاداً في سبيل الله ، ودحراً لأعداء الله ، وبياناً لمن انطوى عليه هؤلاء المبتدعة من ضلال زعموه هدىً، وغواية زعموها رشداً، فهنيئاً له ما قام به من جهاد لصالح الإسلام، دافع به عن السنة المطهرة ، فجزاه الله خيراً وبارك فيه ، وأسأل الله أن يثبتنا وإياه على الحق ... فجزى الله الشيخ ربيع خير الجزاء ، وبارك فيه وفي دعوته، وجهاده وجعلنا وإياه من الذابين عن الشريعة الغراء كل بقدر استطاعته وعلى حسب حاله". انتهى 4- والشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب البنا شفاه الله وعافاه بقوله :" إمام الجرح والتعديل الصادق الأمين أخونا ربيعهادي والله إمام الجرح والتعديل في القرن الرابع عشر الله يبعث على كل رأس مائة عاممن يجدد لهذه الأمة أمر دينها فالمجدد للجرح والتعديل بعدل وصدق وأمان والله ربيع هادي ونتحدى أنهتكلم عن أي واحد بدون الدليل من كلامه ومن أشرطته ومن كتبه". انتهى 5- والشيخ العلامة زيد بن محمد المدخلي حفظه الله تعالى بقوله :"الردود التي قام بها الشيخ ربيع هي جهاد في إعلاء كلمة الحق وهي نصح للمسلمين وبالأخص طلاب العلم المبتدئين ومن في حكمهم ممن ليس له عناية في التوسع في فن العقائد والمناهج والردود لئلا يقعوا في المحظورات والمحاذير". انتهى 6- والشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله تعالى بقوله :" الشيخ ربيع صاحب راية قوية رافعة لواء السنة، وبشهادة أئمة زكوه وأثنوا عليه .... وراية الشيخ ربيع التي رفعها جهاداً عن أهل السنة وذباً عنها وعن أهلها وهي شوكة في صدور المبتدعة حتى الساعة -ولله الحمد- ما هانت وما لانت وما انتكست". انتهى 7- والشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن عمر بازمول حفظه الله تعالى بقوله :" الشيخ ربيع رجل متفرد في كلامه في هذه الأموريكاد يكون ما فيش وحده في هذا الباب، لا أعرف رجلاً يعني مفرد كلامه ووقته لهذه القضايا وهو أسقط عن العلماء اسم فرض الكفاية، لولا أن الشيخ ربيع قام وأمثاله من أهل العلم قاموا بهذه الأمور لزم أهل العلم بسكوتهم عن أهل البدع وعن أهل الباطل وعن بيان الأخطاء التي يقع فيها هؤلاء الناس". انتهى وفي الختام : اسأل الله أن يحفظ شيخنا ربيع السنة من كل مكروه ومكر وسوء وأن يحفظ به التوحيد والسنة من كل دخل وفتنة وبلاء مشين وأن يرفع درجته في العليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يطيل في عمره في خير وعمل صالح ونصرة للحق وأهله اللهم آمين محبكم أحمد بن عمر بازمول
التحبير
بجمع القواعد و الضوابط والفوائد التي اشتملت عليها رسالة الفرق بين النصيحة والتعيير للحافظ بن رجب السلفي النحرير
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ .
إن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما بعد :
فهذه مجموعة من القواعد والضوابط والفوائد المستخرجة والمستنبطة من رسالة الفرق بين النصيحة والتعيير للحافظ ابن رجب الحنبلي ت795هـ كتبتها لنفسي ولإخواني طلاب العلم بعد أن منَّ الله عليَّ بتدريس هذه الرسالة في مسجد السبيل بكدي في سبعة مجالس علمية من شهر شعبان عام 1436هــ .
وإليك هذه الدرر المستخرجة من كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
1- النصيحة والتعيير بينهما فرق ومن سوىَّ بينهما فهو جاهل أو ظالم.
2- تشترك النصيحة والتعيير في الصورة (ذكر الإنسان بما يكره).
3- وتفترق النصيحة عن التعيير في المقصود (فالنصيحة لتحقيق مصلحة عامة أو خاصة) والتعيير (للتنقص والعيب والطعن).
4- ذكر الإنسان بما يكره لمجرد الذم والعيب والنقص حرام .
5- ذكر الإنسان بما يكره لتحقيق مصلحة عامة أو خاصة مشروع بل يجب.
6- قرر علماء الجرح والتعديل أن هناك فرقاً بين جرح الرواة وبين الغيبة.
7- أن أهل التعبد والزهد قد ينكرون جرح المجروح ولا عبرة بهم .
8- قرر علماء السنة أنه لا فرق بين الطعن في الرواة المجروحين، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة ليُحذِّر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه.
9- أجمع العلماء على جواز ذلك البيان بالجرح والرد على الخطأ.
10- جرت عادة العلماء في مصنفاتهم بجرح المجروح ورد الخطأ مما يفيد مشروعيته؛ إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة.
11- أن الخطأ يرد على قائله كائناً من كان من الصحابة فمن بعدهم إن كان بالحجة والبرهان.
12- لا يلزم من رد الخطأ الطعن أو الذم أو التنقص من المردود عليه .
13- من أساء الأدب في الرد بالسب والشتم والنقص فيقبل قوله في رد الباطل وينكر عليه فحاشته وإساءته .
14- الطريقة السلفية في الرد على المخالف بإقامة الحجج الشرعية والأدلة المعتبرة.
15- الحكمة من الرد على الخطأ :
أ- إظهار الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ولأنْ يكون الدين كله لله وأن تكون كلمته هي العليا.
ب- أن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين .
وهذان الأمران متفق عليهما بين العلماء السلفيين .
16- أئمة السلف يقبلون الحق ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم.
17- أئمة السلف يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً .
18- من الأدب أن لا يصر العالم على رأيه المجرد عن الدليل بل يبحث عن الأقرب للحق .
19- السلفي يعظم الحق ولا يعظم أقواله وآرائه.
20- السلفي يحب ظهور الحق سواء على لسانه أو لسان غيره.
21- السلفي لا يكره أن يرد قوله أو يبين له مخالفته للسنة سواء كان في حياته أو بعد مماته.
22- أئمة الإسلام يذبون عن الدين ولا يرضون بمخالفة الحق .
23- السلفي لا يكره مخالفة من خالفه بدليل عَرَضَ له ولو لم يكن ذلك الدليل قوياً عنده بحيث يتمسك به ويترك دليله له.
24- مما يعين على ظهور الحق أن تفرح إذا أصاب خصمك وتحزن إذا أخطأ، ولا تقول له ما يسوؤه وهذا من كمال عقل صاحبه.
25- رد المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية أمر يحبه العلماء ويمدحون فاعله ويثنون عليه؛ وهو من النصيحة.
26- من كره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك.
27- الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته.
28- كراهة إظهار الحق ليس من الخصال المحمودة بل من الخصال الذميمة.
29- بيان خطأ من أخطأ من العلماء السابقين لا حرج فيه ولا لوم على الراد بشرط أن يكون بأدب في الخطاب وحسن في الرد والجواب .
30- إذا صدر من الراد بحق ما يدل على الاغترار بمقالته فلا حرج عليه.
31- قد يبالغ العالم في إنكار بعض المقالات إما لضعفها أو تفردها.
32- الحكم في هذا الباب (النصيحة) للظاهر ، وأما باطنه :
أ- فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ فهو مثاب ناصح ممدوح .
ب- وإن كان مقصوده بذلك إظهارَ عيب من ردَّ عليه وتنقصَه وتبيينَ جهله وقصوره في العلم ونحو ذلك كان محرماً مطلقاً.
مع وجوب قبول الحق ورد الباطل.
33- يشرع لمن علم الباطل أن يبينه ويرده صغيراً كان أو كبيراً .
34- العالم الكبير قد يخطئ في بعض المسائل التي عليها دليل صحيح صريح فلا يعاب ولا ينتقص بل يرد خطؤه وتحفظ كرامته.
35- لا ينبغي السكوت عن خطأ العالم لمكانته وتعظيمه في النفوس بل يجب رد الباطل ونصرة الحق.
36- من رد الباطل بقصد التنقص والعيب فهو داخل في الهمز واللمز.
37- فرق بين العلماء المقتدى بهم في الدين وبين أهل البدع والضلالة ومن تشبه بالعلماء وليس منهم .
38- العلماء السلفيون يعاملون بما سبق ،وأما أهل البدع والضلالة فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم.
39- يجب إكرام واحترام وتعظيم من عُرف منه أنه أراد بردِّه على العلماء النصيحة لله ورسوله .
40- يستحق العقوبة من عرف منه أنه أراد برده عليهم التنقص والذم وإظهار العيب ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة.
41- يمكن معرفة مقصود الراد بأحد أمرين :
أ- إقراره واعترافه بمقصوده .
ب- بالقرائن المحيطة برده فعلًا أو قولًا .
42- من علامات الناصح الصادق أنه لا يَذكر الردَّ وتبيين الخطأ إلا على الوجه الذي يراه غيره من أئمة العلماء.
43- في التصانيف وفي البحث وجب حمل كلامه على النصح وإرادة الحق .
44- من حمل كلام الناصح على التنقص والعيب والذم مع ظهور حاله في النصيحة وإرادة الحق فهو ممن يَظن بالبريء الظن السوء
45- الظن السوء ممن لا تظهر منه أمارات السوء مما حرمه الله ورسوله .
46- من أمارات ظن السوء : كثرة البغي والعدوان وقلة الورع وإطلاق اللسان وكثرة الغيبة والبهتان والحسد وشدة الحرص على الرئاسات.
47- من ظهرت منه أمارات السوء يحمل رده على العلماء على إرادة التنقص والعيب والطعن لا النصح، ويستحق مقابلته بالهوان.
48- ومن لم تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء فإنه يجب أن يحمل كلامه على أحسن مُحْمَلاتِهِ ولا يجوز حمله على أسوأ حالاته.
49- إن قال لأخيه في وجهه ما يكره على وجه النصح فهو حسن .
50- يحق لمن أخبر بعيب من عيوبه أن يعتذر منها إن كان له منها عذر .
51- إن قال لأخيه في وجهه ما يكره على وجه التوبيخ بالذنب فهو قبيح مذموم.
52- التوبيخ والتعيير بالذنب مذموم .
53- الذنب الذي تاب منه صاحبه فالمؤمن يستره وينصحه والفاجر يهتكه ويُعيِّره.
54- من علامات النصح اقترانه بالستر .
55- ومن علامات التعيير اقترانه بالإعلان.
56- السلفي يسر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
57- يكره أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه التوبيخ والتعيير .
58- الناصح غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها المنصوح .
59- والفاضح غرضه إشاعة عيوب من ينصح له .
60- إشاعة وإظهار العيوب هو مما حرمه الله ورسوله .
61- إشاعة الفاحشة وهن وضعف.
62- من خصال الفاجر : إشاعة الفاحشة والتعيير بالذنب .
63- الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب.
64- غرض الفاجر مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن وهتك عرضه .
65- من صفات الفاجر لتحقيق غرضه أنه : يعيد الذم والتعيير والتوبيخ ويبديه ليُدخل على أخيه المؤمن الضرر في الدنيا.
66- من صفات الناصح أن غرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن واجتنابه له.
67- الحامل للفاجر على إشاعة السوء وهتكه القسوة والغلظة ومحبته إيذاء أخيه المؤمن وإدخال الضرر عليه وهذه صفة الشيطان .
68- شتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة.
69- عقوبة من أشاع السوء على أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكَشَفَ عورته بغير وجه شرعي أن يتبع الله عورته ويفضحه ولو في جوف بيته .
70- ومن أظهر التعيير في قالب النصح وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى فهو من إخوان المنافقين .
71- من خصال اليهود والمنافقين أن يظهروا الحسن ومقصودهم السوء ليحمدوا على ظاهرهم ويتوصلوا إلى غرض فاسد فتتم له الفائدة وتُنَفَّذُ له الحيلة بهذا الخداع، وهذا فعل متوعد فاعله بالعذاب الأليم.
72- من أراد ذم إنسان وتنقصه لينفر الناس عنه لسبب فاسد فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني .
73- يجمع هذا المـُظهر للنصح بين أمرين قبيحين محرَّمين:
أ- أحدهما: أن يحمل ردَّ العالم القول الآخر على البغض والطعن والهوى وقد يكون إنما أراد به النصح للمؤمنين وإظهار ما لا يجوز له كتمانه من العلم.
ب- والثاني: أن يظهر الطعن عليه ليتوصل بذلك إلى هواه وغرضه الفاسد في قالب النصح والذب عن علماء الشرع .
74- ومن بُلي بشيء من هذا المكر فليتق الله ويستعن به ويصبر فإن العاقبة للتقوى.
75- يعود وبال المكر على صاحبه بدليل الشرع ، والواقع يشهد بذلك.
كتبه أخوكم المحب :أحمد بن عمر سالم بازمول
مغرب يوم الثلاثاء 8 شعبان 1436
لا تهمل إحياء العشر وإن وفقت لقيام ليلة القدر
لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن عمر سالم بازمول حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد
فمن الأخطاء التي ينبغي الحذر منها :
أن بعضهم إذا ظن حصول بعض علامات ليلة القدر ترك إحياء بقية ليالي العشر !!
وهذا خطأ يحرمهم الأجر ويفوتهم متابعة السنة !
فعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( التمسوها في العشر الأواخر : في تسع تبقين أو سبع تبقين أو خمس تبقين أو ثلاث تبقين أو آخر ليلة ))
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل العشر شد مئزره و أحيا ليله و أيقظ أهله ))
وفي لفظ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر ))
قال الإمام العثيمين رحمه الله تعالى : في هذا: دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحيي العشر الأواخر من رمضان كلها، ولكنه لا يحيي ليلة سواها أي أنه لم يقم ليلة حتى الصباح إلا في العشر الأواخر من رمضان، وذلك تحرياً لليلة القدر، وهي ليلة تكون في العشر الأواخر من رمضان، ولاسيما في السبع الأواخر منه، فهذه الليلة يقدر الله سبحانه وتعالى فيها ما يكون في تلك السنة، وهي كما قال الله تعالى: خير من ألف شهر، فكان يحييها ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه انتهى
وبهذا يظهر أن ليلة القدر وإن كانت لها علامات وأمارات قد يشعر بها بعض من يوفقه الله لذلك لكن لا ينبغي إهمال إحياء بقية ليالي العشر والله أعلم .
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الاثنين 50: 2 ظهراً الموافق 23 رمضان 1435هـ
ما صح من الأحاديث والآثار الواردة في قراءة وفضائل سورتي الإخلاص{قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}
لفضيلة الشيخ د.أحمد بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْح امَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
أما بعد :
فقد جمعت كل ما وقفت عليه من الخبر مما ورد فيه ذكر قراءة سورتي الإخلاص في نص واحد سواء كان في الصلاة أم في خارجها في بحث مستقل بعنوان ((جونة القناص بجمع ما ورد في قراءة سورتي الإخلاص))
وقد اشتمل على الصحيح والضعيف بل والموضوع، من باب جمع الروايات، فأحببت أن اختصره باقتصاري على بعض ما ثبت (صحيح أو حسن)؛ تذكرة لنفسي ولإخواني طلاب العلم ولعامة المسلمين
وقد سميته (( ما صح من الأحاديث والآثار الواردة في قراءة وفضائل سورتي الإخلاص ))
وقد حذفت تخريج الأحاديث والآثار، فمن أراد الوقوف على تخريجها فعليه بالأصل
ما ورد في فضلهما :
- عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ قال (( إنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَرَأَ في رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هو الله أَحَدٌ ))
قال شيخ الإسلام اَللَّهُ ابن تيمية : لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ , بِخِلَافِ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَهَذَا مِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّ الْإِيمَانَ , وَالتَّوْحِيدَ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ , كَحُبِّ الْقَلْبِ , فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ , وَالدِّينُ لَا يَكُونُ دِينًا إلَّا بِعَمَلٍ ; فَإِنَّ الدِّينَ يَتَضَمَّنُ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ ; وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
إحْدَاهُمَا فِي تَوْحِيدِ الْقَوْلِ وَالْعِلْمِ
وَالثَّانِيَةُ فِي تَوْحِيدِ الْعَمَلِ وَالْإِرَادَةِ ; فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ , اللَّهُ الصَّمَدُ , لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّوْحِيدَ
وَقَالَ فِي الثَّانِي { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ , لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ , وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ , وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ , لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَة انتهى
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن و{قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن ))
- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ وَقَرَأَ فِي الآخِرَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا عَبْدٌ آمَنَ بِرَبِّهِ))
فَقَالَ طَلْحَةُ (( فَأَنَا أَسْتَحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ))
- قال رجل من الصحابة : كنت أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء فسمع قارئا يقرأ {قل يا أيها الكافرون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد بريء من الشرك وسرنا فسمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} فقال أما هذا فقد غفر له فكففت راحلتي لأنظر من هو فابشره فنظرت يمينا وشمالا فما رأيت أحداً ))
- قال ابن مسعود ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ونحن نسير فقرأ رجل من القوم {قل يا أيها الكافرون} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد برئ من الشرك فذهبت أنظر من هو فأبشره فقرأ رجل آخر {قل هو الله أحد} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما صاحبكم فقد غفر له))
- وقال أبو مسعود (( مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فِي لَيْلَةٍ، فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ ))
القراءة بهما في صلاة الفجر :
- قال عمرو بن ميمون : صليت مع عمر بذي الحليفة وهو يريد مكة صلاة الفجر فقرأ بـ {قل يا أيها الكافرون} وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
قراءتهما في ركعتي الفجر :
- عـن أبي هريرة ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
- وعن عبد الله بن مسعود قال ((ما أحصي ما سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
- وعن عبدالله بن عمر قال ((رمقت النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين مرة أو خمساً وعشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
- وعن عَائِشَةَ قالت كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول (( نِعْمَ السُّورَتَانِ هُمَا يقرؤنها في الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفَجْرِ {قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قل هو الله أَحَدٌ}))
- وعن عائشة قالت ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يسر فيهما القراءة))
- وعن إبراهيم قال (( كان أَصْحَابُ عبد اللهِ يَقْرَؤُونَ في الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ{قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ}
- وقال غُنَيْم بْن قَيْسٍ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نُنَابِذَ الشَّيْطَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ، أَوْ قَبْلَ الْغَدَاةِ بِـ: قُلْ {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ))
- وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قال كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
- وقَالَ ابن سيرين (( كَانُوا يَقْرَءُونَ فِيهِمَا بِـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
فائدة :
قال شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تيمية : سُنّةُ الْفَجْرِ تَجْرِي مَجْرَى بِدَايَةِ الْعَمَلِ وَالْوِتْرُ خَاتِمَتَهُ
وَلِذَلِكَ كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي سُنّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ بِسُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ
وَهُمَا الْجَامِعَتَانِ لِتَوْحِيدِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَتَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِرَادَةِ وَتَوْحِيدِ الِاعْتِقَادِ وَالْقَصْدِ انْتَهَى
قراءتها في الركعتين بعد المغرب :
- وعن عبد الله بن مسعود قال ((ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
قراءتهما في الوتر :
- عن ابن عباس قال كان النبيصلى الله عليه وسلم يوتر بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
- وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث فيقرأ فـي أول ركعة بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}))
ما جاء في قراءتهما في ركعتي الطواف :
- عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه كان يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هو الله أَحَدٌ وَقُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ))
- وعن يعقوب بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}))
- وعن جَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ عن أبيه أَنَّهُ كان يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ في رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِـ{قُلْ يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ{قُلْ هو الله أَحَدٌ}))
قراءتهما على المنبر :
- وعن علي أنه كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}))
كتبه
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الجمعة
الساعة التاسعة والنصف بعد صلاة العشاء
15 شوال 1436هــ
بسم الله الرحمن الرحيم
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أما بعد : فهذه محاضرة بعنوان (( رمضان شهر الغفران))، أحببت أن أتحف إخواننا الكرام وأخواتنا الكريمات : بهذه الكلمات التي أرجو من الله أن يكتب لي ولكم فيها الأجر والثواب، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . والمحاضرة تدور على العناصر التالية : – تعريف الصوم وأنواعه . – حكم الصوم . – خطورة الفطر بلا عذر شرعي . – التدرج في تشريع الصيام وتاريخ تشريعه. – على من يجب الصيام. – ما شروط صحة الصيام. – الأمور التي تفطر الصائم – الأمور التي تباح للصائم . – تعلم أحكام الصيام – استشعار فضل هذا الشهر – حفظ الجوارح في الصيام – استغلال نهار رمضان في العبادة والطاعة – استغلال شهر رمضان للتوبة – استقبال هلال الشهر – جملة من أحكام المتعلقة بالصيام . – جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين تعريف الصوم وأنواعـــه الصوم في اللغة : الإمساك والركود. وفي الشرع: هو الإمساك بنية عن الأكل والشرب والشهوة من تبين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. والمراد بالشهوة الجماع وخروج المني. لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي:يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. ولقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. أنواع الصيام : الصوم ينقسم إلى قسمين : صوم واجب وصوم غير واجب. والصوم الواجب إما أن يوجبه الله ابتداء على العبد، وإما أن يكون العبد سبباً في إيجابه على نفسه . فالصوم الذي أوجبه الله : هو صوم رمصان . والصوم الذي يكون العبد سبباً في إيجابه أنواع: مثل صوم النذر وصوم الكفارات وصوم البدل في الحج وصوم الفدية في الحج وصوم جزاء الصيد . والصوم غير الواجب : فهو كل صوم استحب الشارع فعله. من ذلك : صوم يوم الاثنين والخميس وصوم الأيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء وصوم يوم عرفة وصوم داود إلى غير ذلك. حكم الصوم صيام رمضان ركن من أركان الإسلام فيجب على كل مسلم ومسلمة صيام شهر رمضان بشروطه التي سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى . لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الفطر بلا عذر شرعي من المصائب التي قد يبتلى بها بعض المسلمين الفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي ولا شك أنه أمر محرم وذنب عظيم فقد روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول اللهr يقول :« بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً، … إلى أن قال : ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار. فإذا كان من أمسك نهار رمضان ثم أفطر قبل موعد الفطر توعد بهذا العذاب فقل لي بربك كيف يكون عذاب وعقاب من أفطر كل اليوم ومن لم ينوِ الصوم أصلاً فيا ويل من أفطر في رمضان بلا عذر شرعي . التدرج في تشريع الصيام وتاريخ تشريعه شرع فرض صيام شهر رمصان في السنة الثانية من الهجرة، ومات نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وقد صام تسعة رمضانات . وقد مرًًَت مشروعية بثلاثة مراحل ذكرها معاذ بن جبل رضي الله عنه فقد أخرج أبو داود في السنن وأحمد في المسند عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أنه قَالَ : أُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ طَعَامُ مِسْكِينٍ }فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَهَذَا حَوْلٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إِلَى أَيَّامٍ أُخَرَ }فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ وَجَاءَ صِرْمَةُ وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ ….. وهي كالتالي : 1- صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء . 2- صيام رمضان على التخيير من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً . 3- ثبوت صيام رمضان على من شهد الشهر دون تخيير وعلى المسافر أن يقضي إن أفطر وثبت الإطعام في حق الشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم . على من يجب الصيام يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم خال عن الموانع. فخرج بالمسلم : الكافر فلا يصح منه الصوم . وخرج بالبالغ : الصغير الذي لم يبلغ . وخرج بالعاقل : المجنون . لحديث عائشة رضي الله عنها ، عن النبي ﷺ قال : « رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق » أخرجه أحمد في المسند وابن الجارود في المنتقى وأبو داود في السنن . وخرج بالصحيح : المريض . وخرج بالمقيم : المسافر . فالمسافر والمريض لا يجب عليهما الصيام فلو أفطرا يقضيان ولو صاما صح صيامهما . وخرج بخال من الموانع : الحائض والنفساء فإنه يجب عليهما الفطر ويقضيان يوماً مكانه . وكذا المرضع أو الحامل لو خافتا على نفسيهما أو ولدهما فلهما الفطر . ما شروط صحة الصيام يشترط في صحة الصوم ما يلي : 1- الإسلام : فلا يصح من كافر . 2- العقل : فلا يصح من مجنون . 3- النية : فلا يصح الصوم دون نية مبيتة . 4- الخلو من المانع : فلا يصح من الحائض والنفساء . 5- استيعاب الوقت من تبين الفجر إلى غروب الشمس . الأمور التي تبطل الصيام هناك جملة من الأمور تبطل الصيام : 1- الأكل والشرب متعمداً . 2- تعمد القيء . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ. فمن خرج منه القيء بلا فعل منه فيتم صومه . وأما من أدخل شيئاً في حلقه أو شم رائحة لكي يستفرغ فهذا قد أفطر وعليه قضاء يوم مكانه. 3- الحيض والنفاس . 4- الجماع وخروج المني بشهوة . 5- الحقن المغذية. ما يباح للصائم فعله 1- السواك : فمن الأمور المستحبة للصائم استعمال السواك في نهار رمضان من أوله إلى آخره لأن النبي علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه وقد حضهم عليه عند كل صلاة ومع الوضوء وأخبرهﷺ أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وكان عمر يكثر من السواك وهو صائم وكان ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه. 2- المضمضة والاستنشاق دون المبالغة في الاستنشاق فعن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عن رَسُول اللَّهِ أنه قال له : بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا. 3- ذوق الطعام : فعن ابن عباس قال: لا بأس أن يذوق الخل أو الشئ ما لم يدخل حلقه وهو صائم. 4- أن يصبح جنباً من أهله فعن عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُوم. 5- الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين . وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا 6- صب الماء البارد على الرأس والاغتسال: كان النبي ﷺ يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر، وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ. 7- تحليل الدم وضرب الإبر غير المغذية . تعلم أحكام الصيام من الأمور التي ينبغي مراعاتها والاهتمام بها لكل مسلم يدخل عليه شهر رمضان أن يهتم بتعلم أحكام هذا الشهر وما يتعلق به من آداب وسنن والأمور التي يجب على الصائم تجنبها كالمفطرات والغيبة والنميمة وغير ذلك. فيخشى على من صام على غير بصيرة وعلم أن يقع في أمر يخالف صيامه وهو لا يشعر بسبب جهله بأحكام الصيام وما يتعلق به ولذلك قال ﷺ:رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وهذا حديث عظيم يغفل عنه كثير من الصائمين . هذا الحديث يبين أن بعض الصائمين قد يكون نصيبه من الصيام الجوع والعطش أي لم يحصل له الأجر . فيكون عطش وجوع نفسه فقط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والسؤال هنا لماذا يكون حظه ونصيبه من صومه الجوع والعطش فقط ؟ والجواب عن هذا السؤال هو لأنه خالف أحكام الصيام ووقع فيما يناقضه فتراه يفطر على حرام أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام وللأسف الشديد هذا الخطأ الكبير والظاهرة الخطيرة من عدم تعلم أحكام الصيام ليست فقط في رمضان بل هي في كل أحكام الدين في الطهارة والصلاة والزكاة والحج والنكاح والطلاق فتجد كثيراً من الناس يجهلون أحكام دينهم فيخالفونها بدون علم ولو أنهم تعلموها لم يخالفوها. والعجب أننا نرى هؤلاء إذا أراد أحدهم أن يشتري شيئاً من متاع الدنيا الزائل نجده يسأل عنه وعن كيفية استعماله وعن ما يحتاج إلى صيانة ولا يقبل قول أي أحد بل لا بد أن يكون خبيراً مجرباً عندها يطمئن ويرضى قبل أن يشتريه. أما في أمور دينه وأحكامه التي يحتاج إليها فنجده يعمل بلا بصيرة ولا علم ويعمل كما يعمل عامة الناس! والله عز وجل أمرنا أن نسأل أهل العلم إذا جهلنا الحكم فقال تعالى{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر هم أهل العلم فالله أمرنا أن نسأل أهل العلم ولم يأمرنا أن ننظر إلى ما يفعله عامة الناس. وقال ﷺ :إنما شفاء العي السؤال وقال ﷺ :طلب العلم فريضة على كل مسلم وهذا حديث عظيم يدل على وجوب تعلم أمور الدين فيما يلزم المسلم في خاصة نفسه. ويدل على أن الذي لا يتعلم أمور دينه التي يحتاج إليها أنه آثم. وعامة الناس مثله في عدم العلم إلا ما رحم الله ولذلك جهل كثير من الناس أحكام دينهم فطرأ وحصل التغير وقد لاحظ هذا التغير الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير والنقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد r شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً. ولعلك تقول كيف أتعلم أحكام الصيام ؟ فالجواب : هو أنك يمكنك أن تتعلم أحكام الصيام عن عدة طرق: الطريقة الأولى: هي أن تجلس في حلق العلم فتسمع وتتعلم وتعمل. الطريقة الثانية: هي عن طريق سؤال أهل العلم عن ما تحتاج إليه من أحكام الصيام. الطريقة الثالثة:عن طريق الاستماع لأشرطة أهل العلم كأمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني والنجمي رحمهم الله والشيخ ربيع المدخلي وعبدالعزيز آل الشيخ والفوزان حفظهم الله التي تتكلم عن الصيام وأحكامه وهي متوفرة ـ بحمد الله ـ . الطريقة الرابعة: عن طريق قراءة الكتب التي بينت وتكلمت عن أحكام الصيام. لكن احرص أخي المستمع على أخذ العلم من أهله الموثوق بهم. استشعار فضل هذا الشهر إن استشعار الصائم أهمية هذا الشهر له أثر فعال في صيامه وقيامه فلا يفرط فيه ولا يلهو عنه بل يشتغل ليله ونهاره في طاعة الله ومرضاته لأنه موسم عظيم جعل الله فيها من الخيرات والرحمات ما الله به عليم. وعدم استشعار الصائم نعمة الله ومنته عليه بإبلاغه هذا الشهر العظيم يجعله يستثقل دخول شهر رمضان ويتضايق منه ويفرح بخروجه والبعض الآخر يدخل عليه رمضان وكأنه لا مكانة له ولا قيمة في نفسه فلا يغتنم أوقاته في الطاعات بل وقته في المباحات إن لم يكن في المحرمات. وهذا الشعور الميت يحرم صاحبه لذة العبادة والنشاط فيها والإكثار منها. وكيف يغفل المؤمن عن هذا الشهر الكريم وكيف يضيع هذه الفرصة العظيمة ولعل السبب في ذلك هو عدم علمه بما جاء في بيان فضله وخصائصه: ففي هذا الشهر تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتسلسل وتصفد الشياطين فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين. وأجر صيامه عظيم عند الله فهو إليه ورائحة الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من رائحة المسك فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ متفق عليه. شهر ينادي فيه الملك يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وفي كل ليلة لله عتقاء من النار فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ أخرجه البخاري ومسلم مختصراً واللفظ للترمذي. ويغفر فيه لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه. فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ متفق عليه . والصيام وقاية من النار فعَنْ أَبِي هريرة عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنْ النَّارِ. وعن عثمان سمعت رسول الله r يقول الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال وفي هذا الشهر ليلة خيرمن ألف شهر والمحروم من حرم خيرها فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حرِمَ [الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم] أخرجه النسائي والحاكم . رمضان من مكفرات الذنوب: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ رواه مسلم . والدعاء فيه مواطن الإجابة فعن أبي سعيد الخدري قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ رواه البزار. فهذه بعض الخصائص التي اختص بها شهر رمضان وهي دالة على فضله وأهميته ومكانته في الإسلام لذلك كان من هديه ﷺ في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور . ولعل هؤلاء الذين لا يعلمون أهمية شهر رمضان يجهلون أيضاً المقصود من الصيام والمصالح التي فيه؟ المقصود من الصيام : 1- حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات. 2- تعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين . 3- وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماعه وتلجم بلجامة فهو لجام المتقين وجنة المحاربين حفظ الجوارح في الصيام الصائم مطلوب منه حفظ جوارحه يده ورجله وعينه ولسانه وأذنه عن المحرمات وليس فقط يصوم عن الطعام والشراب فالصائم يتقرب إلى الله بترك الطعام والشراب وهما مباحان في غير الصوم فكيف لا يتقرب إلى الله بترك ما هو محرم في حال الصوم وغيره من سب وكذب وغيبة ونحوها الآثام التي قد تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم لهذا قال النبي ﷺ : ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث. وقال رسول الله ﷺ إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن جهل عليه أحد فليقل إني امرؤ صائم وقال رسول الله ﷺ :من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. وقال رسول الله ﷺ : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر وقال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب والطعام . وقال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء . استغلال نهار رمضان في العبادة والطاعة ليحرص الصائم على استغلال نهار رمضان فهو وقت عظيم ولا يضيعه بالنوم لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من الأجر والثواب . وينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب مناهيه ويجتنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته سواء كان غاية أو وسيلة ولا ينبغي له أن يضيع نهاره بالنوم والمشكلة تظهر إن فاتته الصلاة في أوقاتها جماعة فيكون فوت عليه نفسه أمرين : الصلاة لوقتها ، وأدائها في جماعة . ومن المؤسف جداً أن كثيراً من الناس اعتادوا السهر في رمضان فإذا أقبل الفجر تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه وتركوا الصلوات مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم والأمر خطير جداً. ومن الناس من ينام نهار رمضان كله ولكنه يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران حتى يجمع في صيامه عبادات شتى. والإنسان إذا عود نفسه ومرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال حال الصيام. استغلال شهر رمضان للتوبة إن الواجب على المسلم أن يستغل هذا الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين في التوبة والرجوع إلى الله والإقلاع عن المحرمات والمعاصي؛ ((فبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر ، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومؤمل غداً لا يدركه . من رحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم . فمن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان فصار من الراشدين ، ومن أراد به شر خلى بينه وبين نفسه فاتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين . فالحذر الحذر من المعاصي فكم سلبت من نعم ، وكم جلبت من نقم ، وكم خربت من ديار ، وكم أخلت دياراً من أهلها فما بقي منهم ديار ،كم أخذت من العصاة بالثار ، كم محت لهم من آثار)) . وللأسف الشديد قد يقع بعض المسلمين في الازدياد من المعاصي والمحرمات وكأن شياطينهم لم تسلسل وأخشى أن يدخلوا تحت قول جبريل عليه السلام للنبي ﷺ لما صعد rالمنبر فلما رقي عتبة قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ثم قال أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفرله فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله قلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين وقوله ﷺ : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ومتى يتوب من لم يتب في رمضان ومتى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان. والتوبة تعني ((صلاح الحال من الإقلاع عن الذنب وصلاح الماضي من الندم على فعل الذنب وصلاح المآل من العزم على عدم العودة إلى الذنب ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له والله يتوب على من تاب)). استقبال هلال الشهر السنة الثابتة عنه صلى عليه وسلم أنه كان إذا رأى الهلال قال:اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله. ومن الأخطاء ما يفعله بعض الناس من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : هل هلالك جل جلالك شهر مبارك ثم يمسحون وجوههم. فهذا الفعل بدعة لم يفعلها النبي ﷺ وأصحابه السلف الصالح. صوم منتصف شعبا ن وصوم يوم الشك إذا انتصف شهر شعبان قد يبدأ بعض الناس بالصيام وهو لم يتعود على الصيام لأن رسول الله r قال:إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان . وفي لفظ:إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. و كذا لا يجوز أن يصوم قبل رمضان بيوم وهو يوم الشك أو يصوم قبل رمضان بيومين ويوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان لاحتمال أن يكون من رمضان. والدليل على ذلك قوله ﷺ : لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم ومن الأدلة ما رواه صلة قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتي بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم ﷺ أما من كان معتاداً الصيام من قبل منتصف شعبان كأن كان يداوم على صيام الاثنين والخميس أو صيام يوم وإفطار يوم أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر فله أن يصوم بعد منتصف شعبان كما دل عليه قوله ﷺ:إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم صومه. والعلة في تحريم صوم هذين اليومين لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه وما فيه من الطعن في رؤية الهلال لأن الرسول ﷺ علق الصوم بالرؤية. فمن صام يوم الشك قبل رؤية الهلال فوافق صومه ذلك اليوم أول دخول رمضان فلا يجزئه لكونه لم يبن صومه على أساس شرعي ولأنه يوم شك وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم صومه وعليه قضاؤه وهذا قول أكثر أهل العلم ومن صام يوم الشك بنية صوم رمضان فقد وافق الرافضة ووقع في البدعة. تبييت النية بالصيام من الليل قال رسول الله ﷺ يقول: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له . وقال ﷺ : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له. فدل هذان الحديثان على وجوب تبييت نية الصيام قبل طلوع الفجر وأن من لم يبيتها فلا يصح منه الصيام . قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل:نحن نحتاج في رمضان أن نبيت الصيام من الليل؟ فقال الإمام أحمد: إي والله.اهـ رحمه الله . وتحصل النية بعزم القلب على الصيام غداً وكذا بالاستعداد بالسحور مثلاً و أما الجهر بنية الصيام كأن يقول نويت أن أصوم شهر رمضان أو نويت أن أصوم غداً السبت لله فهو بدعة مخالفة لهدي النبي ﷺ وأصحابه فلا يجوز الجهر بالنية في الصيام بل لايجوز الجهر بالنية في جميع العبادات إذ النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة. البدء بالفطور وتعجيله إذا غربت الشمس بدأ وقت الإفطار قال ﷺ: إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم. والسنة تعجيل الفطر قال أنس بن مالك رضي الله عنه:كان ﷺ لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر ولو على شربة من ماء وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. وقال ﷺ: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون وقال عمرو بن ميمون : كان أصحاب محمد ﷺ أعجل الناس إفطاراً وأبطأهـم سحوراً فيبدأ الصائم بالتسمية لقوله ﷺ :يا غلام سم الله. ثم يفطر بالرطب أو التمر أو الماء فعن أنس رضي الله عنه قال: كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء . فإذا افطر قال الذكر الوارد عند الفطور : ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله فقد كان رسول الله ﷺ إذا افطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله . قلت:وهذا هو الثابت عنه ﷺ. أما ما يقوله بعضهم عند فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منا إنك أنت السميع العليم فهذا جاء في حديث ضعيف جداً رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة وفي إسناده راوٍ متروك وقال ابن قيم الجوزية في هذا الحديث :لا يثبت اهـ رحمه الله. وكذا قولهم : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح لإرساله رواه أبوداود وغيره. وكذا قولهم : الحمدلله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة قيام رمضان ومن الأمور التي ينبغي أن يحافظ عليها قيام رمضان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. ووصفت عائشة قيام النبي ﷺ بقوله : مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. تأخير السحور والسنة تأخير السحور فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي ﷺ ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية وعن حذيفة قال تسحرت مع رسول الله ﷺ هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع فالسنة في السحور تأخيره لا تعجيله بعد العشاء مباشرة أو قبل الفجر بوقت طويل. والسحور له فضل كبير فعن حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله ﷺ: السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين. ففي هذا الحديث : أن أكلة السحور فيها بركة وخير من الله بل سماه النبي ﷺ :بـالغداء المبارك وفيه : النهي عن ترك السحور . وفيه : أن السحور يحصل بجرعة من ماء وقد يحصل بالتمر كما قال النبي ﷺ قال نعم سحور المؤمن التمر وفيه الثناء على المتسحرين بصلاة الله وملائكته عليهم . والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام ومن ترك السحور فقد شابه اليهود والنصارى لأنهم لا يتسحرون فعن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال : فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر. الاعتكاف الاعتكاف بلزوم المسجد مدة من الزمان فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ. ليلة القدر من الأمور المرغب فيها شرعاً والمحثوث عليها تحري وطلب ليلة القدر وهي في أوتار العشر الأواخر من رمضان قال ﷺ عن رمضان : فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم وقال ﷺ : اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي. ومن الأمور التي تفوت على المسلم أجراً كثيراً أنه لا يقول الدعاء المأثور الوارد في ليلة فعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وقد بينت السنة الصحيحة أمارات تلك الليلة : ا/ أنها في أوتار العشر الأواخر كما قال ﷺ : التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر. 2/ أن الشمس تطلع في صبيحتها بلا شعاع ضعيفة حمراء حتى ترتفع ثم يأتي الشعاع بعد إرتفاعها فقد قال أبي بن كعب أن رسول الله ﷺ أخبرهم بأمرتها : فأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع. وفي رواية بلفظ : تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء . 3/ أن الملائكة ليلتها أكثر من عدد الحصى قال ﷺ : ليلة القدر سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى . 4/ أن ليلتها مشرقة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم قال ﷺ :ليلة القدر ليلة بلجة ـ أي مشرقة ـ لا حارة ولا باردة ولايرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها. وقال ﷺ : ليلة القدر ليلة سمحة طلقة ـ أي سهلة طيبة ـ لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء وليس من علاماتها ما يظنه بعض الناس أن ماء البحر يكون عذباً وظنهم أن الكلاب لا تصيح فيها وأن الحمير لا تنهق فيها وأن الأشجار تضع فروعها على الأرض وأن الواحد يرى النور فيها ساطعاً حتى في الأماكن المظلمة وأن الملائكة تسلم على أهل المساجد وأنهم يرون قناديل ومصابيح تنزل من السماء وأن السماء تتشقق. تعليم الصغار الصيام ومن الأمور التي ينبغي للآباء والأمهات مراعاتها تعويد أولادهم الصغار على الصيام إذا كان لا يضره. فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله ﷺ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار وفي لفظٍ : ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم قال النووي رحمه الله: في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين اهـ أما إذا كان الصيام يضره فإنه يمنع من الصيام برفق ولين لا بقسوة. ويزداد الأمر خطورة عندما يبلغ الصغير والصغيرة ويلزمهما أهلهما بترك الصلاة وبعدم الصيام في رمضان بحجة المشقة وأنه لا يطيق ذلك لصغره ونحو ذلك ولا شك أن هذا ناشيئ من جهلهم بدينهم إذ كيف يليق بأولياء أمورهم أن يلزموهم بترك الصلاة والصيام إذا بلغوا وهم قادرون على الصيام. والواجب على ولي الصغير إذا بلغ أن يأمره بالصلاة والصيام أما إذا كان البالغ الصغير لا يستطيع الصوم ويشق عليه واضطر للإفطار كالمريض أو الذي يخشى على نفسه التلف جاز له أن يفطر وعليه قضاء ما أفطر لأن البالغ مكلف وكذا البالغة مكلفة. جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين من الأخطاء ظن بعض الصائمين أنهم يظنون أن بلع الريق واللعاب لا يجوز وأنه يجب عليهم أن يتفلوه ومن الأخطاء أن بعض الصائمين إذا توضأ لا يدخل الماء في أنفه خوفاً من دخوله في حلقه زعموا فتراه يكتفي بغسل مقدم أنفه فيخل في وضوئه ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن استعمال الطيب وشم الروائح الجميلة لا يجوز للصائم من الخطأ ظن بعضهم أن الصائم ينبغي له أن يكون متقشفاً غير متنعم والصواب أن التنعم والترفه لا ينافي الصيام وهو من فعل السلف. ومن الخطأ ظن بعضهم أن من احتلم أي خرج منه المني وهو نائم أن صومه فسد وأن عليه القضاء فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يدخل في فمه شيئ يمضغه ويظن أنه لا يضر فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أكل وشرب وهو صائم في نهار رمضان ظن أن عليه القضاء أو تحرج من أكله وشربه وظن أنه ليس كمن لم يأكل ولم يشرب . عود على بدء : يمكننا أن نخلص هذه المحاضرة في النقاط التالية : – تعلم أحكام صيام شهر رمضان من آداب وواجبات ومكروهات ومفطرات ومباحات. – استشعار مكانته وفضله وما فيه من مواسم الخيرات . – استغلال مواسم خيراته في الطاعات والقربات على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم . – عدم تفويته بالاشتغال بغيره . – قراءة القرآن وتدبره وقيام لياليه . وفي الختام : فهذه جمل من الأحكام الشرعية والآداب المرعية، ينبغي للمسلم المحافظة عليها؛ طلباً للثواب من الله ، اسأل الله أن يبلغني وإياكم هذا الشهر الكريم ويعيننا على صيامه وقيامه . أخوكم المحب د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول السبت 26/شـــعــبان /1436هـ تنبيه : كنت قد ألقيت هذه المحاضرة عبر إذاعة النهج الواضح يوم الخميس الموافق 24 شعبان 1436هجري . وبهذه المناسبة أوجه شكري للقائمين على هذه الإذاعة السلفية الصافية النقية وما يقدمونه من علم نافع ومنهج سلفي ناصع فجزاهم الله خيراً . إتحاف أهل النظر بمعرفة بعض الأخطاء المتعلقة بليلة القدر- لفضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن عمر بازمول3/6/2016
إتحاف أهل النظر بمعرفة بعض الأخطاء المتعلقة بليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهناك جملة من الأخطاء يقع فيها بعض الصائمين تتعلق بليلة القدر ، أحببت التنبيه عليها لنحذرها ونحذر منها :
فمن الأخطاء :
أن بعض الصائمين يغفلون عن تحري وطلب ليلة القدر
وهي في أوتار العشر الأواخر من رمضان قال صلى الله عليه وسلم عن رمضان (( فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي))
وقال صلى الله عليه وسلم (( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر ))
ومن الأمور التي تفوت على المسلم أجراً كثيراً :
أنه لا يقول الدعاء المأثور الوارد في ليلة القدر فعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال صلى الله عليه وسلم (( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ))
ومن الأخطاء :
زيادة كلمة ((كريم)) في هذا الدعاء فنسمع بعضهم يقول : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني !!
وهي زيادة غير ثابتة في الحديث
وقد أوضحت ذلك مفصلاً في بحث خاص متعلق بهذا الحديث بعنوان حديث عائشة في دعاء ليلة القدر رواية ودراية
ولا يقال : إنها زيادة حسنة !
لأننا نقول هي من باب الأذكار النبوية التي يجب فيها التقيد بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
اعتقادهم أن ليلة القدر لا بد من نزول المطر فيها !
قال ابن المنير : نحن نرى كثيراً من السنين ينقضي رمضان دون مطر مع اعتقادنا أنه لا يخلو رمضان من ليلة القدر انتهى .
وقال عبيد الله المباركفوري : قوله (في ماء وطين) علامة جعلت له يستدل بها عليها انتهى .
فهذا يدل على أن نزول المطر ليس شرطاً لليلة القدر .
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
ظنهم أن من علامات ليلة القدر وصباحها :
أن ماء البحر يكون عذباً .
وظنهم أن الكلاب لا تصيح فيها .
وأن الحمير لا تنهق فيها .
وأن الأشجار تضع فروعها على الأرض .
وأن الواحد يرى النور فيها ساطعاً حتى في الأماكن المظلمة .
وأن الملائكة تسلم على أهل المساجد .
وأنهم يرون قناديل ومصابيح تنزل من السماء وأن السماء تتشقق.
فهذه العلامات المذكورة لم تثبت في السنة النبوية
فلا يجوز إثباتها من العلامات إلا بدليل شرعي ؛ لأنها أمور غيبية توقيفية .
وقد بينت السنة الصحيحة أمارات تلك الليلة :
ا/ أنها في أوتار العشر الأواخر .
قال صلى الله عليه وسلم (( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر))
2/ أن الشمس تطلع في صبيحتها بلا شعاع ضعيفة حمراء حتى ترتفع ثم يأتي الشعاع بعد إرتفاعها
قال أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأماراتها (( فأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع))
وفي رواية بلفظ (( تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء ))
3/ أن الملائكة ليلتها أكثر من عدد الحصى
قال صلى الله عليه و سلم (( ليلة القدر سابعة أو تاسعة و عشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى ))
4/ أن ليلتها مشرقة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم
قال صلى الله عليه وسلم (( ليلة القدر ليلة بلجة ؛ – أي مشرقة – لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها))
وقال صلى الله عليه و سلم (( ليلة القدر ليلة سمحة طلقة ؛ – أي سهلة طيبة – لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (( أكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين فقيل له بأي شيء علمت ذلك فقال بالآية التى أخبرنا رسول الله (( أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطست لا شعاع لها ))
فهذه العلامة التى رواها أبي بن كعب عن النبى صلى الله عليه وسلم من أشهر العلامات فى الحديث وقد روي فى علاماتها :
أنها ليلة بلجة منيرة
وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد انتهى
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين :
اعتقادهم أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين !
وهذا خلاف السنة !!
والصحيح أن ليلة القدر أخفاها الله لحكمة أرادها لأجل أن يجتهد المسلم في العشر الأواخر من ليالي رمضان طلباً لهذه الليلة فيكثر عمله ويجمع بين كثرة العمل في سائر ليالي العشر الأواخر من رمضان مع مصادفة ليلة القدر بفضائلها وكرائمها وثوابها فيكون جمع بين الحسنين .
فإن قيل :
قال صلى الله عليه وسلم : التمسوا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ؟
فالجواب :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أيضاً : إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر
وقال صلى الله عليه وسلم (( تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( تحروا ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان))
فهذه الأحاديث أفادت أن ليلة القدر متنقلة في أوتار العشر الأواخر .
فهذه جملة من الأخطاء التي أردت التنبيه عليها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أخوكم المحب
أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الأحد 22 رمضان 1435هـ
00 : 3 ظهراً
تنبيه :
كنت ذكرت حديث واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(( ليلة القدر ليلة بلجة لا حارة ولا باردة (ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح) ولا يرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها ))
وقد ذكرته مستدلاً به بناء على وقوفي على تحسينه
ثم وجدت الإمام الألباني – رحمه الله تعالى –
قد حَسَّن الحديث إلا زيادة
(ولا سحاب فيها ولا مطر ولا ريح)
فَضَعَّفَهَا
كما في الجامع الصغير (2/961رقم5472)
والسلسلة الضعيفة (9/392رقم4404)
وقد حذفت الحديث من المقال
والمسألة كما هي لم تتأثر بضعف الحديث
لما ذكرته فيه
وقد تنبهت لضعف هذه الزيادة
من مقال أخينا الفاضل سلطان الجهني
جزاه الله خيراً
|
أرشيف
December 2016
التصنيفاتالكاتب |